قضايا وآراء

التحشيد الطائفي ومستقبل الشرق الأوسط

محمد جعفر
1300x600
1300x600
لم يشهد العالم العربي منذ أن وضعت الحرب العالمية الأولي أوزارها ظروفا كتلك التي يمر بها الآن فالصراع الدموي اجتاح المشرق، والإجراءات المتصاعدة للحكومات العربية، باتت تفرض ضغوطا هائلة على المواطنين العرب. ويعتقد أكثر المحللين تفاؤلا أنه إن سارت الأمور على هذه الوتيرة فإن المنطقة لا تنتظر سوى موجات جديدة أكثر شدة من الصراع والمواجهة.

ففي سوريا والعراق واليمن وليبيا شردت حواضر كانت آمنه ومزقت أمه كانت سالمة ومسالمة مئات الآلاف قتلوا وأضعافهم جرحوا وملايين البشر هجروا وانتهكت مستويات العنف والتطهير العرقي غير المسبوق كل القيم والأسس والدعائم المجتمعية التي ترسخت عبر تاريخ ممتد فأصابها الوهن.

بات الإنسان العربي مهددا وجوديا ليس فقط من عدو خارجي تربص طويلا ليظفر به بل ايضا من جماعات الاستبداد والسلطوية التي تعتبر الرحم الحقيقية للفوضى والتطرف بعد أن عزفت على كل أوتار الفتنة والطائفية والعصبية البغيضة حتى تنفرد بصياغة مستقبل الشعوب ونهب ثرواتها عبر بث الخوف والرعب من خلال نشر النار والدمار والفزع الذي يستحيل في النهاية انهارا من الموارد على خزائن لن تفتح بابها يوما لخدمة الوطن ورفاهية أبنائه. 

ثلث اللاجئين علي المستوي العالمي أصبحوا عربا و باتوا يشكلون تهديدا ديموجرافيا لبلدان أخري  فدولة كلبنان وقد دخلها مليون مسلم سني خائفة من اختلال الوزن الطائفي في البلاد والتأثير لاحقا علي النظام السياسي المعمول به منذ اتفاق الطائف وفي العراق تشيعت محافظات عراقية بعد تهجير معظم قاطنيها من السنة وفي اليمن وفي المنطقة تتبني الأطراف المتحاربة الطائفية كوسيلة للتحشيد، الأمر الذي يزيد من استقطاب السكان على أسس دينية وعِرقية وإيديولوجية تستغل فيه قوي إقليمية ودولية الانقسامات الداخلية حول مظالم سياسية واقتصادية اجتماعية تاريخية لتنفخ في جمر حرب بالوكالة ليغدو النزاع ذو صبغة طائفية. 

في سوريا  استقدم النظام السوري وحلفائه فصائلا شيعية تربو علي الستين وصلت إلى ما يقارب خمسين ألف مقاتل، ومعظمهم من عناصر حزب الله اللبناني بالإضافة لمقاتلين إيرانيين وباكستانيين وأفغان ويمنيين"حوثيين" ومن الملاحظ أن العدد الإجمالي قد يرتفع إلى أكثر من ذلك نظرا لسياسة التحشيد الطائفي التي تشهده المنطقة، ويذكر أن المليشيات الشيعية قد وصلت إلى سوريا بمستويات عالية من التدريب على القتال واستعمال مختلف أنواع الأسلحة باعتبارها معركة العلويين مع "النواصب التكفييريين " كما يصفهم ملالي إيران بينما تدفق علي تنظيم الدولة مقاتلين من مختلف بلدان العالم لنصرة الحق المطلق من منظور البغدادي يحاربون العالم ولا يهادنون فيه احد. 

إيران والحلم الصفوي  

يري علماء الانثروبولوجي أن المجتمعات التي تتكون من اثنيات متعددة هي في الحقيقة مجتمعات هشة وغير متماسكة لا سيما إذا اتسمت تلك المجتمعات بالحكم الشمولي والسلطوي وغاب عنها الوعي السياسي وعدم الانخراط في الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني بعد أن حكمت هذه الأنظمة المجتمعات بيد من حديد على مدى عقود مكرِّسة الفكر الأحادي، مما خلق فراغًا في الوعي السياسي لغياب أحزاب حقيقية ونقابات ومجتمع مدني يساهم في بناء هوية سياسية مبنية على علاقات تحددها برامج سياسية ومصالح مشتركة بين المنتمين إليها مع تكريس لتقاليد ديمقراطية. ولما انهارت هذه الأنظمة وجد الفرد نفسه وحيدًا في مواجهة المجهول لذا سيعود إلى الهويات التقليدية الجاهزة: اجتماعية (إثنية- قبلية)، أو دينية (سنية، شيعية، مسيحية). ومن الطبيعي في مثل هذا المناخ ان تطفو على السطح الأقليات القبلية والإثنية التي ستحاول الدفاع عن مصالحها وسط مرحلة انتقالية غير واضحة المعالم.

بل ذهب بعضهم إلي القول بان التغييرات المفاجئة التي حدثت في بعض الدول العربية ساهمت بشكل كبير في عودة الانتماءات الجماعية المبنية على الهوية التقليدية وأواصر تضامن ما قبل الدولة القُطرية. فالفرد عاد، في لحظات الأزمة والشك وعدم اليقين وعدم الثقة في المستقبل، إلى ما يضمن له نوعًا من الحماية والاطمئنان ونعني هنا إلي القبيلة أو المذهب أو العرق أو الدين .

ومن هنا التقطت إيران "الصفوية" هذا الخيط لتنفيذ طموحها التاريخي في السيطرة علي المنطقة وتوسيع نفوذها عبر تسليح الأقليات الشيعية في العراق ولبنان واليمن وسوريا وتحريك الشيعة في البحرين و ترجع الجذور التاريخية للحلم الصفوي إلي الدولة التي أسّسها الشاه إسماعيل الصفويّ  في عام 1501م الذي اتّخذ من مدينة تبريز عاصمةً له، وأعلن أنّ دولتَه شيعية إماميه أثنا عشرية، وقام بفرض عقيدته بالقوّة، وأجبر غالبية إيران التي تنتمي إلى أهل السنة علي التشيع وفي سبيل توطيد ملكه قام بقتل مليون مسلم وأمر الخطباء بسب أبي بكرٍ وعمر وعثمان علي المنبر.

 امتدّت الدولة الصفوية فيما بعد في كل أنحاء إيران وما جاورها إلى أن هاجم بغداد واستولى عليها، ومارس أفظع الأعمال فيها . 

وقد تحالف الصفويين مع البرتغاليين والمجر والنمسا ضد الدولة العثمانية السنية بل إن (عباس الكبير) تواطأ مع بريطانية ضد العثمانيين، وحاصر المدن السنية، ونكّل بها وبأهلها ، وقتل سبعين ألفاً من الأكراد السنة، ومنع الحج إلى مكة المكرّمة، وأجبر الناس على أن يحجّوا إلى قبر (الإمام موسى بن الرضا) في مدينة مشهد بينما قام بتكريم النصارى والأوروبيين، وفتح لهم أبواب إيران على مصراعيها، وبني لهم الكنائس، وأعفاهم من الضرائب، وشاركهم أعيادهم، واحتسى الخمر معهم!..

ولا شك أن الحساسيات المذهبية والقراءات التاريخية تجعل دول الخليج وعلي رأسها المملكة العربية السعودية في موقف المتوجس من المشروع الإيراني التوسعي لا سيما مع تزايد الحديث عن (الهلال الشيعي) و(تصدير الثورة) وقد جاء المصطلح الأخير علي لسان زعيم الثورة الإيرانية الأول الإمام الخميني في الاحتفال بمرور عام علي انتصارها عندما قال: (إننا نعمل على تصدير ثورتنا إلى مختلف أنحاء العالَم).

وفي الواقع اكتسبت إيران أوراقا ممتازة وكافيه لتمرير مشروعها دون جلبه أو صياح فقد تحالفت مع أمريكا (الشيطان الأكبر) من وجهة نظرها لإزاحة النظام السني في العراق بل دخل حلفاءها العراقيين علي ظهور الدبابات الأمريكية إلي بغداد وتعاظمت مكاسبها الجيوسياسية باستيلاء الشيعة علي السلطة وإزاحة السنة حتى من شاركوا حلفائهم العراقيين مقاعد المركبات الأمريكية الوثيرة أو الجوار في المنطقة الخضراء، أضف إلي ذلك وجود إيران القوي في لبنان عبر حليفها الاستراتيجي والقوي حزب الله وكذلك الأمر في سوريا بوقوفها بقوة بجوار النظام العلوي وبمباركة روسيا والصين إضافة إلي وجودها المذهبي في معظم دول الخليج وخاصة البحرين وكذلك اليمن في الجنوب الغربي من شبه الجزيرة وبذلك تحاصر ايران الخليج من ثلاث جهات.

أما حكام الخليج فقد اتسمت سياستهم بالارتباك وعدم وضوح الرؤية تجاه هذا المشروع الذي تتصاعد تجلياته يوما بعد يوم وأخرها بالطبع التقارب الإيراني مع أمريكا والقوي الغربية علي حساب الحلفاء التاريخيين في الخليج ومن دون تنسيق معهم فقد كان الخليجيون في السابق يخوفون ايران بالعم سام الذي كان علي ما يبدو منشغلا في حساباته الخاصة

خلاصة القول: تشير الكثير من المؤشرات إلي أن التأجيج الطائفي الذي أخرجته عوامل عدة من قمقمه وأهمها الاستبداد والسلطوية مرشح للتوسع  و أن مساحة الدمار قد تنتقل إلى بلدان أخرى، خصوصا في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية وغلق النوافذ السياسية ومصادرة الحريات، واستمرار الحروب والنزاعات، وتحكيم منطق المغالبة السياسية بدلا من السعي للتسويات والمصالحات. لكن يعتبر بناء دولة المواطنة، هو المدخل الطبيعي لتعزيز الهوية الوطنية الجامعة، كما انه كفيل بإبطال مفعول التأجيج الطائفي، وإنهاء حالة الانقسام المذهبي، وحماية الوطن العربي من شبح مشاريع الفوضى والتقسيم.

التعليقات (1)
حسين علي كريم
الجمعة، 30-12-2016 07:11 م
مع الأسف الشديد هذا المستوى من التفكير والتعاطي مع أزمات الأمة هو من أوصل الواقع الى هذا الانحطاط والتسافل الذي لا نظير له بالتاريخ ولا يقارن به احد المقال فيه مغالطات كثيرة وتشويه للحقائق وتحشيد طائفي