صحافة دولية

ديلي بيست: كسبنا المعركة وخسرنا المعركة الرقمية مع "الدولة"

فشلت أمريكا في مواجهة دعاية تنظيم الدولة- ديلي بيست

نشر موقع "ديلي بيست" تقريرا يقدم خلاصة من كتاب War in 140 Characters (الحرب في 140 حرفا) للمؤلف ديفيد باتريكاراكوس، قال فيه إن الدفع نحو فتح مركز الاتصالات الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب (CSCC)، جاء من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون عام 2010، التي كانت حريصة من بداية تسلمها للمنصب أن تستوعب مدى تأثير الإنترنت.

 

ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن كلينتون كانت مصصمة على فعل شيء لمكافحة وجود تنظيم القاعدة والمجموعات الجهادية الأخرى على الإنترنت، مستدركا بأن الأمر احتاج حتى أيلول/ سبتمبر 2011 إلى أن وقع الرئيس باراك أوباما الأمر التنفيذي للبيت الأبيض رقم 13584، وتم إنشاء مركز (CSCC) رسميا.

 

ويقول باتريكاراكوس إن "المركز كان في 2014 يحارب في العناوين الدولية خارجيا، لكنه كان داخليا يعاني من مشكلة في لب حروب القرن الحادي والعشرين: من يربح معركة الروايات، وكان فريق المركز يعمل على بث رسالة معارضة للجهاديين على الإنترنت، ويحاول محاربة رواية مروجي تنظيم الدولة بالإشارة إلى كذبها ونفاقها، لكن ما كان الفريق يفشل في فعله هو إعطاء رواية مضادة وقوية مقابل رواية التنظيم". 

 

ويلفت الموقع إلى أن "المشكلة وجدت لسببين: أحدهما مباشر، وقد يكون في البداية قويا، لكن يمكن إدارته نظريا، أما الثاني فأوسع وتستحيل مكافحته تقريبا؛ الأول هو أن تنظيم الدولة اكتسب سمعته السيئة عالميا على خلفية سلسلة من النجاحات العسكرية السريعة على الأرض، فالدعاية لا توجد كجوهر أفلاطوني، بل يجب أن تسند إلى حقائق في الواقع، وأحيانا تكون العلاقة بين الدعاية والواقع ضعيفة لدرجة السخافة، مثل ادعاء روسيا أن حكومة أوكرانيا عبارة عن (طغمة فاشية)، لكن العلاقة تكون أحيانا قوية، وفي الواقع عندما قام تنظيم الدولة عام 2013 باحتلال الرقة، التي يبلغ عدد سكانها حوالي المليون ،كانت هذه هي المرة الأولى التي يسيطر فيها تنظيم يشبه تنظيم القاعدة على منطقة مدنية كاملة دون قيود، وبعد ذلك بسنة استطاع التنظيم أن يحتل الموصل، ثاني أكبر مدينة عراقية، وسمحت هذه النجاحات للمجموعة بأن تنشر قائمة من النجاحات على الإنترنت، وتدعم ذلك بأشرطة الفيديو، ما أعطاه زخما يصعب إيقافه".

 

ويفيد التقرير بأنه "مقابل ذلك، لا يستطيع القسم المسؤول في مركز (CSCC) أن يقول شيئا كرد فعل، ولا يمكن له إنكار أو إعادة صياغة الأحداث، وكل ما كان بإمكان ذلك القسم فعله هو الإشارة إلى الجرائم التي ارتكبها التنظيم بحق المسلمين". 

 

ويقول الكاتب: "قال لي مدير المركز في وقتها، ألبيرتو فيرنانديز: (كانت دعاية تنظيم الدولة دائما متطورة وبراقة، والسبب وقع في حزيران/ يونيو 2014، وارتبط بأحداث على الأرض، حيث قام التنظيم بالسيطرة على ثلث العراق، وسيطر على الموصل، وبدا كأنه لا يمكن إيقافه أينما ذهب، وكان علينا أن نكافح ذلك بكلمات وفيديوهات، لقد طلب منا عمل الطوب من القش. إنه أمر مضحك".

 

ويبين الموقع أن "ما أظهرته الموصل أيضا هو أن توسيع دائرة نشر الدعاية العالمية لانتصارات تنظيم الدولة كان بدرجة أهمية الانتصار ذاته، ففي الأشهر التي أعقبت سقوط الموصل ارتفع التجنيد بشكل كبير،  لكن لأن المشكلة مرتبطة بأحداث على الأرض فإنه يمكن في المحصلة إدارتها، فما هو موجود على الأرض يمكن هزيمته على الأرض، وهذا ما ثبت".

 

وينوه التقرير إلى أنه "منذ أيام النشوة تلك في أواسط عام 2014 عانى تنظيم الدولة من سلسلة من الهزائم، جعلته يخسر الأراضي التي كان يسيطر عليها كلها تقريبا، وقامت القوات العراقية مدعومة بالطائرات الأمريكية والقوات الكردية بالتقدم نحو الموصل في ربيع وصيف 2017 حتى استعادتها كاملة، وقريبا سقط معقل التنظيم في الرقة، ويمكن القول إن التنظيم انتهى على الأرض في الشرق الأوسط تقريبا، وكنتيجة لذلك تراجعت رواية التنظيم حول الانتصارات".

 

ويستدرك باتريكاراكوس بأن "دعاية التنظيم بقيت (وإن كانت على مستواها ذاته عام 2014)، وهذه الحقيقة تشير إلى موضوع متكرر، وهو أيضا في لب حروب القرن الحادي والعشرين: لم يعد البعد العسكري على الأرض هو الساحة الأهم في الصراع".

 

ويقول الموقع: "من أوكرانيا إلى غزة والعراق وسوريا، واضح أن ساحة المعركة الحقيقية وساحتها الافتراضية كل منها يؤثر على الآخر، إلى درجة أنهما يندمجان معا، وهذا ما فهمه تنظيم الدولة للحرب، فكما يشير عبد الباري عطوان، مؤلف كتاب الدولة الإسلامية: الخلافة الرقمية، إلى أن التنظيم كان يستخدم خلال ذروته ماكنته الدعائية على الإنترنت لإرهاب العدو وللضغط على السكان المحليين، وتراجعت إمكانيات التنظيم في إنتاج الدعاية العسكرية من الميدان، كما كان بإمكانه أن يفعل في وقت من الأوقات، لكن بدلا من أن يرى التنظيم هذا الوجود على الإنترنت يذبل ويموت قام فقط بتغيير الاهتمام". 

 

ويشير التقرير إلى أن المتخصص في تنظيم الدولة تشارلي ونتر، يلاحظ أن دعاية الحزب مؤخرا تحمل نغمة الحنين "إلى الماضي"، وقال للكاتب: "سيستمر تنظيم الدولة بغض النظر عما يحصل على الأرض.. لكنه سيعيش كأسطورة افتراضية أكثر من أي شيء آخر، فلديه أرشيف كبير من الفيديو، وهو يركز الآن على كيفية عمل البيروقراطية والجانب المدني من الحياة ي ظل الخلافة؛ وذلك ليتمكنوا من القول بعد عدة سنوات (هكذا كانت)، فعندما يخسرون مساحات من الأراضي التي يسيطرون عليها بإمكانهم توجيه المؤيدين لمثل هذه الفيدوهات التي تظهر نجاحاتهم في الماضي". 

 

ويقول الكاتب: "سيبقى تنظيم الدولة يتلقى الهزائم العسكرية، لكن ميدان المعركة على الأرض لم يعد هو الميدان الوحيد الأعم في الحرب، ولذلك سيعيش التنظيم وخلافته الافتراضية".

 

ويلفت الموقع إلى أن "المشكلة الثانية التي واجهها مركز الاتصالات الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب (CSCC)  في مواجهة رواية تنظيم الدولة أقل منها تعلقا بدحض رواية التنظيم، وأكثر منها تعلقا، فعدم إمكانية تقديم رواية مضادة يحمل القوة ذاتها، وكان أحد أهم حملاتها ضد تنظيم الدولة (فكر مرة ثانية، وابتعد)، وكما يتبين من الاسم فإن الخطاب سلبي ويدعو الناس -والشباب خاصة وهم المستهدفون الذين يسعون لجعل حياتهم ذات معنى- ألا يفعلوا شيئا".

 

وينوه التقرير إلى أنه "بالمقارنة، فإن دعاية التنظيم متعددة الأوجه، تعرض العنف الشديد بطريقة تجذب الشباب المحبط، وتعرض عليهم المشاركة في أكثر الممارسات إثارة: في الحرب، وفعلوا ذلك في أكثر الطرق احترافية مقلدين الأساليب المتبعة في الثقافة الغربية". 

 

ويورد باتريكاراكوس أن الباحثين أميرسون بروكنغ وب. و. سنغر يشيران إلى أعمال الأستاذ في كلية الإعلام والشؤون العامة في جامعة جورج واشنطن خافير ليساكا، الذي درس 1300 فيديو من دعاية تنظيم الدولة، وتوصل إلى أن 20% من تلك الفيديوهات كانت مستلهمة من الترفيه الغربي، بما في ذلك ألعاب الفيديو الشهيرة (Call of Duty) و (Grand Theft Auto) وأفلام هوليوود مثل (American Sniper) وبالإضافة إلى هذا كانت أيضا الرؤية الإيجابية للخلافة.

 

ويذكر الموقع أن التنظيم قام بنشر العنف على غرار أفلام هوليوود، وقام بنشر سرديته حول بناء الدولة، في فيديوهات مثل "تحيات العيد من أرض الخلافة"، ظهر فيها الأطفال يوزعون حلوى العيد؛ وذلك بهدف إظهار الجانب "اللين" لتنظيم الدولة، مشيرا إلى أن التنظيم قام بترويج هذا النوع من الدعاية من خلال "تويتر"، حيث بث مقاطع تظهر مقاتلا من التنظيم يزور المرضى في المستشفى، ويقوم لجولة في سوق الرقة، أبرزت المنتجات المختلفة بألوانها الجذابة، و"ذلك كله مصمم ليجذب المشاعر الإيجابية  لدى الأشخاص، والرغبة في أن يكونوا جزءا من شيء أكبر منهم، والرغبة في مساعدة إخوانهم المسلمين، والرسالة هي (توجه إلى سوريا وكن بطلا أو ابق في باريس وكن سائق سيارة أجرة)".

 

ويقول الكاتب: "قال لي فيرنانديز بصراحة: (نقضي وقتنا نحذر الناس من فعل شيء، لكن تنظيم الدولة يطلب منهم أن يسيطروا على حياتهم، ليمضموا إليه ويقومون بفعل ما)".

 

ويبين التقرير أن وزارة الخارجية قررت في النهاية التوقف عن الرسائل المباشرة تماما، وتم إغلاق مركز الاتصالات الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب (CSCC) في 2016، لافتا إلى أنه كان من أسباب فشل مركز الاتصالات الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب (CSCC) هو أن خطاب تنظيم الدولة كان متناسبا تماما مع روح عصر الألفية الثانية، و"هي التي نضجت اليوم بعد الركود العظيم لعام 2008: فالحصول على عمل أمر صعب، والمستقبل غامض، بالإضافة إلى أن بداية القرن شهدت فقدان ثقة في المؤسسات المهمة في الغرب، من السياسيين إلى قطاع المال إلى الصحافة". 

 

ويقول باتريكاراكوس: "قالت لي منسقة معهد الحوار الاستراتيجي، وهو مركز رئيسي في المملكة المتحدة لمكافحة التطرف، ملني سميث، وهي في العشرينيات من العمر: (هناك فقدان للثقة في السلطة من جيلنا، وهناك هيستيريا حول كون الشخص ألفيا، فدائما ما يقال لنا لن تستطيعوا فعل ما تريدون أو أن تجدوا العمل المناسب، إذا نظرت إلى أصدقائي، بعضهم (مع فقدان الحصول على عمل جيد) ذهب للسفر على مدى ثلاث سنوات، وآخرون يعملون في دور أيتام وأمور مشابهة".

 

ويعلق الموقع قائلا: "في مثل هذا الجو الخانق ينتعش الديماغوجيون والحركات التي تحمل ثقافات مضادة، فكل من تنظيم الدولة والدعاية الروسية واليمين واليسار المتطرفين بعناصر معاداة السامية والإسلاموفوبيا يستغلون هذا المناخ، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو الشخص الذي اجتمع عليه اليمين المتطرف، فساعد بذلك فكرهم المتطرف أن يصبح تيارا رئيسيا، وفي بريطانيا يقود جيرمي كوربين من اليسار المتطرف حزب المعارضة الرئيسي".  

 

ويجد التقرير أن "الثورة ضد المؤسسة و(النخب) التي قادت الغرب لقرون تنفجر في أوروبا وأمريكا الشمالية، وهذا تزامن تماما مع ظهور الإعلام الاجتماعي الذي أعطى هذه المجموعات المتطرفة المختلفة إمكانيات أكبر لتعكس امكانية لتخريب المؤسسات الغربية أكثر من أي وقت مضى".

 

ويذهب الكاتب إلى أن "الاعلام الاجتماعي ساعد على تفكيك هرم الإعلام والمعلومات التقليدي، وبذلك ولد الشخص الذي يمتلك قوة الشبكة والاتصال على مستوى العالم، ويملك فعالية أكثر من أي وقت مضى، وهذه ظاهرة خاصة بالقرن الحادي والعشرين، أسميها ظاهرة الـ(هومو ديجتاليز)، وهذه الظاهرة كظاهرة الاعلام الاجتماعي هي قوة للخير وللشر، قوة ثورية تستطيع تحدي الحكومات من لندن إلى واشنطن، وبهذا المعنى فإن تنظيم الدولة هو جزء من حقيقة أكبر".

 

ويختم "ديلي بيست" تقريره بالقول إن "هذه حقيقة استغلتها المجموعة بسرعة وبمكر، ومثل ما قال فيرنانديز: (يرغب الناس بهوية تربطهم بشيء، ومن الصعب الارتباط بمؤسسات فقدت مصداقيتها، وتأتي منظمة جديدة يظهر أنها صادقة وحقيقية، وخطاب تنظيم الدولة يقدم بعض القناعات العاطفية والثقافية، ويطلق (هرمونات) الأندورفين (المريحة للأعصاب)، ويلهم بشكل ما، وإن كان كل شيء حولك قد فقد الثقة، فإنك ستواجه مشكلة في مواجهة ذلك كله، إن فقدان الثقة بالثقافة الغربية يمنعنا من تقديم خطاب إيجابي بديل، ومن الواضح أن لا شيء يحركنا، ولا نستطيع مواجهتهم بلا شيء)".