كتاب عربي 21

سيناء.. من أين جاء هؤلاء القوم؟!

1300x600
عندما يبدو حادث مسجد "الروضة" كما لو كان كلمة "سر الليل"؛ تنطلق على إثرها الدعوة إلى إخلاء سيناء، فلا يلام من انطلقوا محكومين بنظرية المؤامرة، واتهموا سلطة الانقلاب بأنها وراء الحادث!

فسوء النية يحكم الأطراف كافة، لا سيما أن الحادث بدا لبشاعته غير مسبوق، وفي وقت كان من المفروغ منه أن سيناء أصبحت في قبضة الجيش الذي فرض نفوذه هناك، ولا سيما بعد تعيين اللواء أسامة عسكر مسؤولا عن هذا الملف، ولا سيما، أيضا، أن الأذرع الإعلامية للانقلاب انطلقت توظف الحادث للتشهير بجماعة الإخوان المسلمين؛ باتهامها بالضلوع فيه، ولأنه لا يُتصور عقلا أن تكون هذه الجماعة قامت بهذا العمل، فقد كان الاعتقاد بأن الحادث هو فعل أجهزة تابعة للانقلاب له ما يبرره، وكل يغني على ليلاه!

لقد تعلمت من هذه العملية أن محاولة الحكم على الطارئ بما هو مستقر؛ ليس جائزا. وفي الساعة الأولى لعلمي بما جرى، فقد تشككت في أن تكون دوافع مرتكبي الجريمة دينية، وأنه بسبب الخلاف بين تنظيم ولاية سيناء والصوفيين؛ ذلك بأن مسجد "الروضة" لا يوجد فيه قبر أو ضريح، وإن كان للتيار السلفي بتنويعاته المختلفة آراء سلبية في المتصوفة، تصل إلى حد اتهامهم في عقيدتهم، فلم يحدث من قبل أن تم الاعتداء عليهم في مساجدهم، أو في أثناء ممارسة طقوسهم، ولم يكن من في مسجد "الروضة" يتمايلون في حلقة ذكر، لكنهم كانوا يصلون الجمعة؛ التي يبدو أنها سقطت عن المنتسبين لولاية سيناء، ربما في انتظار إمام الشيعة الغائب!

وقد فاتنا أن الأفكار تتغير، وكذلك المواقف؛ فأنظمة الاستبداد في مصر تحتفي على مر العصور بالتدين الصوفي الذي يأخذ صاحبه إلى الغيبوبة الدينية، فلا يعتبر نفسه مشغولا بالمظالم، أو معني بدفع الاستبداد. ومع ذلك، فقد انتهى عصر مبارك بدخول معركة مع الصوفية لم تكتمل بسبب الثورة؛ لأن الأجهزة الأمنية كانت قد وقعت أسيرة لمقولة يلح عليها الحلفاء من السلفيين، مفادها أن من تصوف فقد تشيع، ومن تشيع فإن إيران هي قبلته!

كان من تجليات هذا التصور رعاية الأجهزة الأمنية لانشقاق داخل المجلس الأعلى للطرق الصوفية، بعد أن صار الطريق ممهدا لشيخ الطريقة العزمية "علاء أبو العزايم" لرئاسة المجلس، بما عُرف عنه من علاقات مع الإيرانيين. كما كان من تجلياته وقف الاحتفال بالموالد، بحجة الخوف من أنفلونزا الطيور! وقامت الثورة فوضعت حدا لحالة الاحتياط الأمني من أن يخرج الصوفيون على منهجهم، فلا تملك السلطة من أداة للتصدي لهم، مع كثرة أعدادهم، فكان القرار منع الجريمة قبل وقوعها!

وقد فاتنا أيضا أن التحديات لها أثرها على الأفكار والتنظيمات، وقد تحول تنظيم الجهاد المصري، على يد الدكتور أيمن الظواهري، عن معتقده الأصيل الخاص بأن مواجهة العدو القريب مقدمة على مواجهة العدو البعيد، إلى العكس تماما؛ بانتقاله إلى أفغانستان!

ومن هنا، فإن تحول "ولاية سيناء" إلى الحرب على الصوفيين، بدلا من إنكار أفعالهم بالقلب أو اللسان، يعد منطقيا، ولم يكن هو التحول الأهم، فكان التنظيم، قبل التحاقه بتنظيم الدولة "داعش"، موجودا في سيناء، منذ عهد الرئيس مبارك، وكانت له أفكاره المتشددة، التي دفعت إلى تحريم طعام من هم خارج التنظيم، وأكل ذبائحهم. لكن لأن الجيش لم يصطدم بهم، فلم يصطدموا به، ولم ينتقلوا من خانة العداء السلبي للمجتمع إلى المواجهة؛ إلا بحادث مسجد "الروضة"، الذي جاء بعد ثلاثة تحذيرات وجهت لأهالي القرية، وجلهم من المتصوفة التابعين للطريقة الجريرية، وهي إحدى الطرق التابعة للطريقة الأحمدية، نسبة للسيد أحمد البدوي!

لقد حذر تنظيم "ولاية سيناء" أهالي القرية ببئر العبد؛ من الاستمرار في إقامة "الموالد" و"الحضرات" وطقوس المتصوفة الأخرى. ومن عجب، أن الجيش المتمركز في سيناء لم يفرض حمايته على القرية بعد هذه التهديدات، ثم كان ما هو أفدح، ولم تنطلق طلقة رصاص، ولو "للتهويش"، من معسكر الجيش الذي هو على مرمى حجر من المسجد، وذلك رغم أن سيناء منطقة عسكرية مغلقة. فهل كان عدم الاهتمام بالتحذيرات الثلاثة، وعدم المواجهة في يوم الحادث، يرجع إلى عدم توافر القوات اللازمة للحماية والمواجهة؛ لانشغال الجيش في الأعمال المدنية، ومنها تربية الأسماك؟ أم إن التجاهل هو لعدم تقدير الموقف، أو انتظار الأحداث لتوظيفها في الإعلان عن أن سلطة الانقلاب تواجه الإرهاب نيابة عن العالم، وفي وقت لم يعد لدى السيسي ما يقدم به نفسه به لهذا العالم في كل محفل دولي إلا موضوع الإرهاب؟!

بحسب مصادر مطلعة، فإن ثلاثة أشخاص، وقف كل واحد منهم أمام باب من أبواب المسجد، وأطلقوا النار على المصلين، في وقت كانت مجموعة منهم تقطع الطريق الدولي، وأخرى تحيط بالمسجد من الخلف تحمي ظهور هؤلاء، ومجموعة ثالثة أضرمت النيران في أكثر من عشرين سيارة في زمام هذا المسجد، الذي، وإن كان تابعا لوزارة الأوقاف، فإن من يصلون فيه هم أهالي القرية الذين هم معظمهم من المتصوفة. الذين لديهم دراية بالنسق العائلي للطرق الصوفية، يعلمون أن الانتماء لطريقة ما قد يكون لعائلة كاملة، بغض النظر عن تدينهم جميعا، أو مشاركة كل أفراد العائلة في ممارسة الطقوس وفي الموالد بفاعلية.

لا أعرف المدة الزمنية التي قطعها عناصر التنظيم في ارتكاب جريمته، فضلا عن المدة التي قضوها في التخطيط لها، وإن كنت أعتقد أنها لن تكون قليلة، قبل أن يلوذوا بالفرار، ومع ذلك فلم تحضر الأجهزة الأمنية، ومعسكر الجيش على بعد 500 متر!

ولا أستبعد أن يكون التنظيم مخترقا، لدفعه لارتكاب أفعال تمنح مخطط إخلاء سيناء من السكان قدرا من المنطق، وهو ما حدث فعلا بعد الحادث، ومن قبل متحدثين أمنيين وعسكريين، وكأن هناك من يجلس في حجرة التوجيه المعنوي يدير المشهد.. فهذا كله ليس مصادقة!

مخطط إخلاء سيناء، وأن تحل الدولة مشكلة القضية الفلسطينية على حساب أرض الفيروز، ليس من الأساطير، فهناك دراسة وضعت في منتصف كانون الثاني/ يناير 2010، للواء "جيورا أيلاند" مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، لصالح مركز بيجين- السادات للدراسات الاستراتيجية، انتهت إلى ضرورة تنازل مصر عن 720 كيلومترا من أراضي سيناء؛ لبناء دولة فلسطينية عليها. وقد نجحت إسرائيل في إقناع الولايات المتحدة الأمريكية بالضغط على مصر والأردن من أجل تبني هذا الحل، لكن مسؤولا في الإدارة الأمريكية نصح بتأجيل التنفيذ لمرحلة ما بعد مبارك!

اللافت، أن إعلام الثورة المضادة كان يروج بأن الرئيس محمد مرسي هو من يخطط من أجل التنازل عن سيناء لصالح حركة حماس، في حين أنها خطة معتمدة لدى عبد الفتاح السيسي الذي لا يمل من الحديث عن صفقة القرن. وهذا يفسر لنا عزله لسيناء، وافتعاله لمعركة مع المتشددين الذين كانوا "في حالهم" في زمن مبارك، ليعطي المبرر لإخلاء سيناء. ومع كل عملية، يجري توظيفها في تكرار الدعوة بإخلاء سيناء.

ولو خلصت النوايا - وهي ليست خالصة - لعلموا أن مواجهة الإرهاب في سيناء، بتنميتها وبزيادة أعداد السكان، وليس بإخلائها. لكن، كما قال وزير الإسكان في عهدي السادات ومبارك، "حسب الله الكفراوي"، فإن شارون أبلغ القيادة المصرية بأن تعمير سيناء أخطر على إسرائيل من القنبلة النووية.

والسيسي راع - بحسب اعترافه - لأمن إسرائيل!