قضايا وآراء

الغائب الحاضر في الأزمة الاقتصادية الأردنية

1300x600

حراك الدولة الأردنية الخارجي بكافة مؤسساتها للتعامل مع الأزمة الاقتصادية الاجتماعية التي تبلورت خلال الأعوام الخمسة الأخيرة؛ لم يقابله جهد مماثل للانفتاح على الوقع السياسي والاجتماعي الداخلي.

استثمار الدولة الأردنية مواردها السياسية لتوليد موارد اقتصادية جديدة تعينها على مواجهة أزمتها الاقتصادية الاجتماعية الخانقة التي تضغط على هيكل وبنية الدولة الأردنية كان ناجحا إلى حد معقول؛ إلا أن أزمتها الاقتصادية عميقة وبنيوية تتجاذبها ثنائية عليلة ممثلة بالريعية المتضخمة وضعف الإنتاج وهشاشة القطاع الخاص. 

 

مديونية ضخمة

ثنائية تولد عنها مديونية ضخمة قاربت الـ 40 مليار دولار؛ عبر عنها بتراجع النمو الاقتصادي إلى ما يقارب الـ 2%؛ وببطالة بلغت 18.7%؛ في حين تراجعت وتذبذبت قيم الاحتياطات الأجنبية في البنك المركزي من 11 مليار إلى 10 ثم 9 ونصف المليار دولار خلال التسع أشهر الأخيرة؛ وفاقمتها سياسات اقتصادية اعتمدت على الوجبات الضريبية المتتابعة على مدى السنوات الخمس الماضية لترفع العبء الضريبي إلى ما يقارب الـ 26% على المواطن دون أن يطرأ تحسن ملموس على الخدمات العامة أو تراجع قيمة الدين من الناتج القومي الإجمالي أو العجوزات في الموازنة العامة والميزان التجاري؛ أمر دفع الدولة نحو البحث عن حلول جديدة تضيف موارد اقتصادية تساعد على إدارة الأزمة الاقتصادية وتخفف حدة الاحتقان الاجتماعي.

 

الأردن يقف على مفترق طرق يزداد تشعبا في ظل التجاذبات القوية بين المؤسسات المالية الدولية الدائنة والدول المانحة؛ وبين القوى المجتمعية بشقيها الإنتاجي والريعي


فالضرائب لم تعالج مشكلة الموارد المتآكلة للدولة؛ بل فاقمت من أزمة القطاع الخاص في الأردن وعمقت الضغوط الاجتماعية؛ لتزيد من مستوى التوتر والاحتقان الذي وجد طريقه إلى الشارع سواء في احتجاجات الرابع من حزيران (يونيو) من العام 2018 أو مسيرات المتعطلين عن العمل التي انتقل فيها العاطلون عن العمل من محافظات المملكة سيرا على الأقدام نحو الديوان الملكي مطلع شباط (فبراير) 2019؛ وزادها حدة واضطرابا التقلبات المناخية والجوية والفيضانات والكوارث الطبيعية التي قدمت فرصة ثمينة للتجار وأصحاب الأعمال للتعبير عن سخطهم واستيائهم من واقع الخدمات وارتفاع كلف التشغيل والضرائب.

 

الانفتاح على العراق

الدولة الأردنية بكافة مؤسساتها أمام هذه الضغوط والتحديات البنيوية المعقدة توجهت إلى البحث عن شركاء اقتصاديين سواء عبر الانفتاح على العراق وعقد الاتفاقات الاقتصادية والتجارية وفتح معبر طريبيل؛ أو بالعمل على تخفيف حدة التوتر مع النظام السوري وحلفائه على أمل فتح المعابر التجارية مع سوريا، هذا مثل خيارا اقتصاديا وظفت فيه الموارد السياسية للدولة الأردنية ومكانتها الإقليمية والدولية بمهارة عالية؛ ليسير جنبا إلى جنب مع حراك أردني نحو الدول المانحة والشركاء الدوليين تحت عنوان "مؤتمر لندن".

استثمار الموارد السياسية للدولة الأردنية بهذا المعنى مكنها من إحداث اختراقات مهمة قدمت بموجبها بريطانيا الدولة المضيفة للمؤتمر منحا وقروضا تقارب المليار دولار؛ لتضاف إلى ضمانات قروض قدرت بـ 250 مليون دولار؛ في حين قدمت فرنسا منحا وقروضا تقارب المليار دولار؛ علما بأن اليابان سارعت في وقت سابق إلى تقديم 300 مليون دولار إلى جانب الولايات المتحدة التي رفعت قيمة منحتها السنوية إلى مليار ونصف المليار دولار؛ أما البنك الدولي فأعلن في وقت لاحق لمؤتمر لندن عن تقديم قروض وتسهيلات بقيمة مليار و900 مليون دولار على مدى خمس سنوات.

 

إقرأ أيضا: مساهمة خليجية خجولة في مؤتمر لندن لدعم الأردن

موارد أضيفت إلى المنح والمساعدات المقدمة من الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت والمملكة العربية السعودية ودولة قطر والتي قدرت بما يزيد عن الملياري دولار؛ وهي توجهات عكست مهارة عالية في استثمار الموارد السياسية الأردنية لتنعكس على مستوى القبول الدولي والإقليمي؛ نجاح بدوره طرح تساؤلا مهما حول قدرة الأردن على استثمار هذه الموارد بفاعلية للخروج من أزمته؟

 

الانفتاح السياسي والإصلاح الإداري والسياسي الذي يمثل صمام الأمان الاجتماعي والضامن لاستقرار السياسات الاقتصادية والخطط والبرامج الاقتصادية المقترحة غائب وغير مفعل

 
تأتي الإجابة من واقع الحراك الأردني فرغم أهميته وفاعليته لا يتوقع أن يقدم حلولا استراتيجية ذات أبعاد برامجية تنعكس على الساحة الداخلية المحتقنة؛ فالخشية من تحولها إلى موارد تستهلك في إطفاء الأزمات وتمويل النمط الريعي المتطلب والذي فاقمه تراجع القطاعات الإنتاجية لا زال حاضرا بقوة، إذ يقف خلف التحرك السريع والفاعل للدولة الأردنية في المرحلة الحالية؛ فالأزمة الاقتصادية عميقة وكبيرة تفوق الموارد المستجلبة والمتوفرة خصوصا وأنها مرتبطة عضويا بنهج إداري وبنية وهيكلية متعثرة وقديمة لازالت تعول على نهج إطفاء الأزمات فقط.

الأهم من ذلك أن جهود الحكومة والمؤسسات السيادية التي انصب تركيزها على المعابر الحدودية والأسواق الاقتصادية والمنح ومؤسسات التمويل لم تتحرك بذات الفاعلية في الساحة الداخلية؛ فالانفتاح السياسي والإصلاح الإداري والسياسي الذي يمثل صمام الأمان الاجتماعي والضامن لاستقرار السياسات الاقتصادية والخطط والبرامج الاقتصادية المقترحة غائب وغير مفعل؛ إذ لا زالت الجهود في هذا المجال تدار على استحياء وفي حدود ضيقة لا تمس الأسس الأصيلة للإصلاح الإداري والاقتصادي والسياسي. 

الأردن يقف على مفترق طرق يزداد تشعبا في ظل التجاذبات القوية بين المؤسسات المالية الدولية الدائنة والدول المانحة؛ وبين القوى المجتمعية بشقيها الإنتاجي والريعي لتضاف لها أجندات إقليمية أكثر خطورة تزيد المشهد غموضا والحسابات السياسية والاقتصادية تعقيدا؛ أزمة لم يعد بالإمكان التعامل معها إلا من خلال الانفتاح السياسي على كافة القوى المجتمعية والسياسية والاقتصادية ومن ضمنها الحركة الإسلامية المهمشة.

ختاما: الانفتاح السياسي الغائب الحاضر في الأزمة الاقتصادية الأردنية؛ إذ لازالت الموارد المتوفرة والمستجلبة عاجزة عن إطفاء الأزمات ومعالجة الاختلالات الاقتصادية، والأهم أنها عرضة للاستنزاف في أزمة اقتصادية عميقة يعبر عنها بثنائية الريعية ودول الانتاج الهشة؛ فالتحدي الحقيقي الذي يواجهه الأردن خلال المرحلة المقبلة يزداد تبلورا وتمحورا في القدرة على تحقيق انفتاح سياسي ينعكس على الاستقرار الاجتماعي والمؤسسي للبلاد ليؤسس لإدارة اقتصادية وهندسة اجتماعية فاعلة تنقله نحو الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي. 

 

إقرأ أيضا: الأزمة الأردنية الخانقة وصراع الحلول