قضايا وآراء

مسلمو الغرب والتمثيل السياسي

1300x600
إذا أراد سياسي غربي أن يتفاعل مع المواطنين المسلمين في بلده، فإنه يذهب ليزور المسجد. فهل تعتبر الحكومات الغربية أن المساجد أماكن تمثيل المسلمين سياسيا؟ في الحقيقة لا، فهذا فقط مجرد مثال للتعبير عن إشكالية أو أزمة لدى كثير من الحكومات الغربية في التعامل مع المسلمين، وهي نابعة من إشكالية أخرى تتعلق بالتمثيل السياسي للمسلمين في الغرب. فالشعور العام أنهم ملف سياسي تابع لوزارات الخارجية، باعتبار أنهم أتوا من بلدان ذات أغلبية مسلمة.

هذا بالنسبة للتيارات الوسط ويمين الوسط السياسي، أما بالنسبة لليمين المتطرف، فخطابه (كما هو معروف) يتمحور حول مسألة الهجرة، وهؤلاء الذين يجب أن يعودوا إلى بلادهم. يستوي في هذا أقصى الحركات الإجرامية اليمينية وبعض اليمين الذي يضع بعض مساحيق التجميل السياسية الوصول للسلطة، مثل دونالد ترامب في الولايات المتحدة، وغيره من الحكومات اليمينية في أوروبا حاليا، كالحكومة الإيطالية. المسألة ليست الهجرة بحد ذاتها، ولكن لأن لهؤلاء القادمين "بلدا يؤويهم وثقافة خاصة بهم، فلماذا يأتون إلينا يغيرون من طبيعة مجتمعاتنا؟".

وبغض النظر عن الإجابة الحضارية والحقوقية السهلة على هذا السؤال، إلا أنه سؤال مهم حاولت أن تجيب عليه مجلة الإيكونوميست البريطانية منذ عامين (2017)، في تحليل بعنوان: "ماذا لو تم إنقاذ الإمبراطورية العثمانية بدلا من تدميرها؟". وخلاصة التحليل، أن الدول الأوروبية ارتكبت خطأ استراتيجيا حين سعت إلى تقويض الخلافة العثمانية ثم الإجهاز عليها في نهاية الأمر؛ بعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها. ومرد الخطأ هو أنها فكت العرى التي كانت تربط العديد من الشعوب المسلمة، فحدثت أزمة تمثيل سياسي وديني. لم تستطع هذه الشعوب تحقيق استقلال كامل وبناء دول وإمبراطوريات، وانسال الناس في اتجاه واحد، من الجنوب إلى الشمال، وبقي حلم الإمبراطورية الإسلامية الآفلة يراودهم دائما. فلا نسيت الشعوب المسلمة أنها كانت جزءا من إمبراطورية تعامل أوروبا ندا لند، ولا نسيت الثقافة الأوروبية أن هؤلاء كانوا أعداء في يوم من الأيام.

في الماضي، كانت الدول الغربية تتعامل مع كيان واحد، هو الإمبراطورية العثمانية، كممثل للمسلمين، بغض النظر عن المشاكل الداخلية التي تعاني منها هذه الإمبراطورية. كان الأمر سهلا في التعامل بدرجة ما مقارنة بالواقع الحالي، حيث تضطر هذه الدول لأن تواجه أيديولوجيات وثقافات متعددة للمسلمين، إما داخل حدودها أو خارج حدودها مع الدول العربية والإسلامية المختلفة، وعليها أن تتعامل مع كل هذا بما يمثلوه من اختلافات، سواء رضيت به أم لم ترضَ.

على المستوى الشخصي والفردي، فإن الإطار الحقوقي والقانوني كفيل بالإجابة جزئيا على سؤال التمثيل السياسي لمسلمي أوروبا والغرب، ومفاده أنهم مواطنون مثل غيرهم من الناس، يجب أن يحصلوا على حقوقهم كاملة طبقا لقوانين ودساتير الدول التي يعيشون فيها. وهذه هي رؤية الأحزاب والمنظمات اليسارية أو الأقرب إلى اليسار، وهي الصيغة التي يرتاح ويتعامل معها كثير من المسلمين. لكن ستظل مشكلة التمثيل السياسي لمسلمي الغرب قائمة طالما بقيت هناك دول عربية وإسلامية غير ديمقراطية؛ لأن هذه الدول تسحق الانتماء السياسي والوطني، وتجعله مقصورا على مجموعة من المنتفعين والمنافقين، وبالتالي يتلاشى التمثيل السياسي لهؤلاء، فلا يجدون مفرا من الهجرة شمالا.

والهجرة في حد ذاتها ليست المشكلة، لكنها تصبح مشكلة حين تفشل الثقافة الأوروبية الحديثة في صياغة خطاب اندماجي تجاه هؤلاء المهاجرين، اللهم إلا في الشرائح المثقفة التي تستطيع أن تستوعب هذه المعادلات. أما على الصعيد الشعبي في أوروبا والعالم الإسلامي، فإن المعادلات القديمة في التمثيل السياسي هي السائدة. وأتصور أن كل من يعيش في الغرب من العرب، خاصة عام 2011، يدرك ما أقوله، حيث كان عاما ذهبيا للعرب هناك، بعد أن حصد المهاجرون العرب كل ثمار الآثار الإيجابية لنجاح الموجة الأولى من الثورات العربية؛ لأن الثقافة العامة هناك التي تربط العرب والمسلمين بدولهم، ربطت بينهم وبين الإنجاز في أوطانهم الأصلية، فعاشوا فصلا ربيعيا جميلا قبل خريف الثورات المضادة.