قضايا وآراء

روسيا وإيران.. حلفاء الحرب وأعداء الغنيمة

1300x600

شكل بداية التدخل الروسي في سوريا عام 2015؛ بداية التحول في موازين القوى على الأرض السورية. واستطاعت روسيا بتغطيتها الجوية واستخباراتهاـ ومن خلال حليفتها إيران التي تعمل مع مليشياتها على الأرض السورية، ترجيح الكافة لصالح النظام السوري، لكن مع انتهاء فترة الحرب والدخول في مرحلة السياسة واقتسام الغنائم، بدأت تتضح معالم الاختلاف بين الاستراتيجيتين الروسية والإيرانية في سوريا المستقبل.

سقط عدد من القتلى والجرحى في حي الخالدية بمدينة حلب، في اشتباكات وقعت يومي 14 و15 نيسان/ أبريل، بين مليشيات موالية لروسيا وأخرى مرتبطة بإيران، واستخدمت أسلحة ثقيلة في الاشتباكات، بينها صواريخ موجهة وقذائف ثقيلة، سقط بعضها ضمن أحياء حلب.

وتأتي تلك الاشتباكات على خلفية التدخل الروسي لكبح المليشيات الموالية لإيران في مدينة حلب؛ التي تشهد فلتانا أمنيا تثيره مجموعات الشبيحة والدفاع الوطني، بما في ذلك انتشار حالات الخطف وسرقة المحال التجارية والمنازل.

 

 

تعكس هذه المواجهات العسكرية المحدودة، والتي صارت مألوفة، عمق الخلاف المتسع بين موسكو وطهران

ولم تكن هذه المواجهات هي الأولى من نوعها بين القوى الموالية لروسيا والموالية لإيران، فقد سبق ذلك منذ شهور مواجهة بين قوات النمر المحسوبة على روسيا، وبين قوات الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد والمحسوبة على إيران، في شمال حماة. وتعكس هذه المواجهات العسكرية المحدودة، والتي صارت مألوفة، عمق الخلاف المتسع بين موسكو وطهران.

فقد أثارت الجهود التي تبذلها إيران لتطوير شبكاتها التجارية في سوريا حفيظة روسيا؛ التي ترغب في منع إيران من مد شبكة نفوذها في سوريا، خاصة وأن إيران تجري حالياً مفاوضات متقدمة للسيطرة على ميناء حاويات اللاذقية على البحر الأبيض المتوسط، حيث ترى أن الوصول إلى البنية التحتية التجارية هو مكون رئيس في خطتها لإنشاء شبكة تجارة ونقل متكاملة؛ تمتد عبر إيران والعراق وسوريا ولبنان.

وفي هذه الأثناء، تتنامى مشاعر السخط في موسكو إزاء التمدد الإيراني، حيث يغض الكرملين الطرف عن عمليات القصف الإسرائيلية على المواقع الإيرانية التي يتوقع أن تمتد إلى ميناء اللاذقية في الفترة المقبلة، تحت ذريعة استخدامها لشحن الأسلحة والسلع التجارية، الأمر الذي يساعد موسكو في دفع دمشق لإنهاء الصفقة، وإلغاء مشروع تشغيل خط السكك الحديدية المخطط له من إيران؛ إلى البحر المتوسط في المستقبل القريب.

 

 

يعزز الأسد جهود إيران لتطوير شبكات اقتصادية مع رجال الأعمال السوريين المحليين، ويتساهل مقابل ذلك إزاء الجهود التي تبذلها روسيا للسيطرة على المؤسسات الأمنية والعسكرية

وتأتي تلك التطورات في ظل احتدام التنافس الروسي- الإيراني على النفوذ والتأثير لدى النظام السوري؛ الذي يقدم تنازلات على أساس كل حالة على حدة، للحفاظ على سلطته، حيث يعزز جهود إيران لتطوير شبكات اقتصادية مع رجال الأعمال السوريين المحليين، ويتساهل مقابل ذلك إزاء الجهود التي تبذلها روسيا للسيطرة على المؤسسات الأمنية والعسكرية.

ووفقاً لمصادر مطلعة، فإن الحصول على رخصة تشغيل الميناء لن يسهل التجارة الإيرانية مع سوريا فحسب، بل سيساعد إيران على إنشاء رابط نقل بين إيران والبحر الأبيض المتوسط عبر خطوط السكك الحديدية الموجودة في العراق وسوريا، حيث يتم التخطيط لإنشاء خط إضافي.

ومن المتوقع أن يزداد احتدام التنافس الروسي- الإيراني على خلفية تكليف وزير النقل في دمشق، علي حمود، المدير العام لمرفأ اللاذقية، بالعمل على "تشكيل فريق عمل يضم قانونيين وماليين؛ للتباحث مع الجانب الإيراني في إعداد مسودة عقد لإدارة المحطة من الجانب الإيراني"، حيث أثار ذلك الطلب غضب الجانب الروسي، نظراً لأنه يمنح إيران الحق في إدارة محطة الحاويات بمرفأ اللاذقية، لتسوية الديون المترتبة على سوريا، نظير الدعم المالي والعسكري الذي قدمته طهران لدمشق.

 

 

يتوقع أن يفضي انحياز بشار المفاجئ لإيران عقب زيارته الأخيرة لخامنئي؛ إلى المزيد من الصراعات المفتوحة بين موسكو وطهران

ويتوقع أن يفضي انحياز بشار المفاجئ لإيران عقب زيارته الأخيرة لخامنئي؛ إلى المزيد من الصراعات المفتوحة بين موسكو وطهران.

فخلال زيارة الأسد لخامنئي، اشترط الأخير أربع شروط على الأسد لإخراج النظام السوري من أزمته الاقتصادية، وهي:

1- رد جميل إيران عبر إرساء كافة عقود إعادة الإعمار وعقود تطوير المشاريع الزراعية والصناعية والنقل وبناء الجيش؛ على الشركات الإيرانية، وإنشاء مركز تنسيق إيراني- سوري لهذا الغرض.

2- دمج المليشيات الأجنبية في جيش النظام لتخفيف العبء المالي على طهران، وخاصة منها "لواء زينبيون" الباكستاني و"فاطميون" الأفغاني و"حزب الله" اللبناني، وترحيل عوائل مقاتلي تلك المليشيات المحتجزين في مخيمات لجوء في شمال وشرق إيران؛ إلى سوريا، ومنحهم الجنسية السورية.

3- دعم خطة سليماني لنشر قوات "الحشد الشعبي" على طول الحدود السورية العراقية الممتدة على نحو 576 كم، وذلك من خلال مشاركة جيش النظام في تطهير البادية السورية من العشائر المحلية الرافضة لتلك الخطة، وقطع طرق الإمداد الأمريكية عبر الحدود، شمال شرقي البلاد.

4- التزام دمشق بإبقاء نحو خمسة آلاف عنصر من "حزب الله" اللبناني غرب البلاد، ومنحهم وضعية تفضيلية مماثلة لتلك التي تحصل عليها القوات الروسية، وتنسيق العمليات بين دمشق والمليشيات الشيعية التابعة للحرس الثوري في المرحلة المقبلة، بمشاركة اللواء قاسم سليماني الذي رتب تلك الزيارة وأشرف عليها، مصطحباً بشار الأسد معه من دمشق.

وما أن عاد بشار الأسد من زيارته لطهران حتى أوفد بوتين وزير دفاعه سيرغي شويغو إلى بشار الأسد، في 19 آذار/ مارس، مصحوباً بحزمة من الطلبات الروسية، والتي جاء فيها نقاط مهمة، منها:

1- ضرورة الاستفادة من الفرصة التي وفرتها العمليات الروسية في غضون السنوات الماضية، للتغلب على "الإرهاب الدولي" والمحافظة على الدولة السورية، وضرورة "تفويت الفرصة على الذين لا يرغبون في رؤية سوريا دولة مستقرة"، وذلك في إشارة إلى إيران التي ترغب في تنفيذ سياسة انتشار يذكي المزيد من الصراعات الإقليمية مع دول الجوار، وعلى رأسها "إسرائيل".

2- مطالبة بشار الأسد بإطلاع شويغو على تفاصيل ما دار في لقائه مع خامنئي بطهران، وفي اجتماع الجنرالات الثلاثة، وتذكيره بضرورة إطلاع ضابط التنسيق الروسي في دمشق، وعدم تجاهل ما يمكن أن تشكله أية التزامات مع أية دول أخرى؛ من مخاطر على القوات العسكرية الروسية المرابطة في تدمر وحمص، والتي يبلغ قوامها نحو ثلاثة آلاف عنصر.

3- تذكير بشار الأسد بالعواقب الوخيمة المترتبة على تبني أجندات سياسية أو عسكرية مستقلة، في معزل عن الأدوار العسكرية والالتزامات الأمنية التي تلتزم بها روسيا إزاء القوى الإقليمية، في ما يتعلق بأمن سوريا، وما يمكن أن يعود على ذلك من أضرار على سلامة أفرادها وعلى منشآتها الحيوية في البلاد.

 

 

 

عززت روسيا مكاسبها في سوريا من خلال استحواذ ها على ميناء طرطوس، مقابل استيلاء إيران على ميناء اللاذقية. فقد أعلن ،يوري بوريسوف"، نائب رئيس الوزراء الروسي، أن بلاده ستوقع عقداً مع نظام الأسد

4- تحذير بشار الأسد من المضي في خطة تسليم ميناء اللاذقية لإدارة إيرانية، وإبلاغه بأن موسكو قد بدأت بأعمال تنقيب بحري عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية، الأمر الذي مثل مفاجأة غير متوقعة لمضيفي شويغو في دمشق.

وفي هذا السياق، عززت روسيا مكاسبها في سوريا من خلال استحواذ ها على ميناء طرطوس، مقابل استيلاء إيران على ميناء اللاذقية. فقد أعلن ،يوري بوريسوف"، نائب رئيس الوزراء الروسي، أن بلاده ستوقع عقداً مع نظام الأسد خلال الأيام القادمة، يخولها الاستحواذ على "ميناء طرطوس" لمدة 49 عاماً.

وهذا يعكس عمق الخلاف الصراع والتنافس الروسي الإيراني في سوريا، وأن التفاهم في مرحلة الصراع العسكري لن يستمر في مرحلة تقاسم غنائم الحرب، إضافة لتباين رؤية الحل السياسي، والذي بدأ يتسع الخلاف فيه بين الجانبين.