مقالات مختارة

ما بين السادات وروحاني

1300x600
هل يكون روحاني هو سادات إيران؟ عنَّ لي هذا السؤال بعدما قرأت تحليلا نشرته مجلة الشؤون الخارجية (فورين افيرز) تساءل فيه عما إذا كان الرئيس حسن روحاني هو جورباتشوف إيران، باعتبار أن كلا منهما جاءت به الرياح الإصلاحية كما أنهما فتحا الأبواب لتصالح كل من الاتحاد السوفييتي وإيران مع الولايات المتحدة والغرب. ورغم أن كاتب مقالة المجلة الأمريكية ستيفن كوتكين يعمل أستاذا للتاريخ والشؤون الدولية بجامعة برينستوت، إلا أنني لم أجد تحليله مقنعا، على الأقل من حيث إن جورباتشوف أسهم في تفكيك الاتحاد السوفييتي وانهياره، في حين أن ذلك مصير مستبعد وليس واردا في حالة إيران، في الأجل المنظور على الأقل. حتى إذا أمضى الرئيس روحاني مدتين في السلطة (ثماني سنوات) لهذا السبب ولأسباب أخرى سأذكرها حالا، وجدت أن روحاني ربما كان أقرب إلى الرئيس الأسبق أنور السادات منه إلى جورباتشوف. أو بتعبير أدق فإن أوجه التشابه بين روحاني والسادات أكثر من أوجه الاختلاف، وإن ظل سؤال المآلات معلقا. بمعنى أننا رأينا وعرفنا ما انتهى إليه الأمر فيما خص السادات. لكن هذه الدائرة لا تزال غامضة بالنسبة لروحاني.

 إذا حاولنا أن نرصد أوجه الشبه بين الرجلين فسوف نجد أبرزها فيما يلي: فكل منهما ابن لثورة (سنة 52 في مصر و79 في إيران)، ثم إن كلا منهما عقد اتفاق سلام مع خصمه التاريخي الأمر الذي فتح الباب «لتطبيع» العلاقات بينهما، رغم الاختلاف في عمق الخصومة مع إسرائيل في الحالة المصرية والولايات المتحدة في الحالة الإيرانية ـ وكما أن السادات أقدم على توقيع الاتفاقية مستقويا بما حققه في حرب أكتوبر، فإن روحاني قبل بتوقيع الاتفاق مستقويا بعناد وصمود الإيرانيين في مواجهة الحصار وبتمسكه بحق تخصيب اليورانيوم. وكما أن اتفاق السادات مع الإسرائيليين أحدث تغييرا جذريا في الخارطة السياسية للعالم العربي فإن التفاهم الإيراني الأمريكي وتوقيع اتفاق جنيف من شأنه أن يحدث تغييرا مماثلا في خرائط الشرق الأوسط، وربما في التحالفات الدولية أيضا. والتنازلات التي قدمها السادات للإسرائيليين مكنته من استعادة أغلب سيناء المحتلة، والتنازلات التي قدمتها حكومة روحاني مكنتها بدورها من رفع بعض العقوبات الاقتصادية وخلخلت من حدة الحصار المفروض على إيران. وكما أن نظام السادات تمت مراقبة أدائه من جانب القوات الدولية التي وجدت في سيناء، فإن حكومة روحاني وضعت تحت الاختبار أيضا لمدة ستة أشهر بعد توقيع اتفاق جنيف. بعدها تجرى مناقشة الاتفاق النهائي. السادات اتبع سياسة الانفتاح على الغرب في الوقت الذي تتحدث فيه الصحف الأمريكية عن إعادة تأهيل إيران لكي تصبح بدورها أكثر انفتاحا على الغرب. السادات لم يحدث تغييرا جوهريا في أداء المؤسسة الأمنية التي خلفها نظام عبدالناصر رغم الرداء الإصلاحي الذي ظهر به. وكل الذي فعله أنه أتاح هامشا متواضعا لحرية التعبير بعدما تبنى فكرة التعددية الحزبية. وأغلب الظن أن ذلك حال الرئيس روحاني أيضا، الذي أشك في أن بوسعه تفكيك المؤسسة الأمنية القوية رغم نواياه الإصلاحية غير الخافية.

 من ناحية أخرى، فإننا في التحليل نجد اختلافا بين الرجلين من جوانب عدة، ألخص أهمها فيما يلي: ذلك أن خلفية الرجلين مختلفة تماما. فالسادات ضابط مغامر وروحاني أصولي متمرس. والأول فاجأ الجميع بما أقدم عليه في حين أن الثاني خاض التجربة بعد أن خبرها وحسبها جيدا. والسادات قام بمغامرته متحديا الإرادة الشعبية آنذاك، الأمر الذي أدى إلى عزلته عربيا. أما روحاني فقد ذهب متكئا على تأييد شعبي وعاد بعد أن حقق اختراقا في العزلة التي فرضت عليه. ومن الناحية العملية فإن السادات أصبح أضعف إقليميا وأكثر قبولا غربيا بعد اتفاقية السلام في حين أن روحاني أصبح أقوى على مختلف الأصعدة الإقليمية والدولية بعد توقيع اتفاقية جنيف.

 بقيت عندي ثلاثة أسئلة معلقة لا أستطيع أن أجيب عنها في المقارنة بين الرجلين، لسبب جوهري هو أننا تابعنا تجربة السادات وعرفنا ما آلت إليه. إلا أن تجربة الرئيس روحاني لا تزال في بداياتها ولا نستطيع أن نحكم عليها الآن. إذ بوسعنا أن نقول إن السادات انقلب على تراث عبدالناصر رغم انتسابه إلى ثورة 23 يوليو، لكننا لا نستطيع أن نحكم من الآن على موقف روحاني من تراث الإمام الخميني. لنا أن نقول أيضا إن السادات كان هواه غربيا وهو القائل بأن 99? من أوراق اللعبة في يد أمريكا، لكننا لا نستطيع أن نحدد موقفا من تجربة الرئيس روحاني، الذي نرى له قدما في جانب الليبراليين المنفتحين على الغرب والقدم الأخرى مع المحافظين والأصوليين.

السؤال الثالث يتعلق بالموقف من القضية الفلسطينية والمقاومة، التي عرفنا موقف السادات الذي فرط فيها وخاصم المقاومة، لكننا عرفنا موقف الثورة الإسلامية طوال العقود الثلاثة الماضية، ورغم ما نعرفه من ثبات موقف المرشد السيد علي خامنئي. لكننا نجدد السؤال بخصوص الموضوع بعد التفاهمات التي حدثت مع الولايات المتحدة. ذلك أن خبراتنا تثير الشكوك حول إمكانية الجمع بين التصالح مع واشنطن وفي الوقت نفسه مساندة المقاومة والممانعة والدفاع عن القضية الفلسطينية. وهي أسئلة بريئة تغلب حسن الظن وترجوه.

(عن الشرق القطرية)