قضايا وآراء

لو لم أكن مصريًا لوددت أن أكون أستراليًا!

1300x600
هل صارت الجنسية المصرية عبئًا ثقيلًا على حاملها للدرجة التي تدفع البعض التنازل عنها شراءً للحياة ونجاة من غياهب السجون المظلمة ؟

للأسف فإن الإجابة رغم ما تمثلها من ردة وطنية وانتكاسة أخلاقية في ظاهرها، إلا أنها طبيعية ومتوقعة في ظل هذا العداء والقهر الذي تمارسه الدولة تجاه المواطن المصري المتهم أولاً وأخيراً بكونه قاعدة افتراضية والمُحتقر دائمًا من قبل سلطات بلاده، بينما في المقابل تحنو على كل أجنبي تطأ قدماه أرض الكنانة، ويحظى بكل آيات الحب مع حسن الوفادة وكرم الضيافة!

بعد أكثر من أربعمئة يوم من الحبس في سجون 30 يونيو، خرج صحفي قناة الجزيرة الإنجليزية "بيتر جريستي" أسترالي الجنسية، بعد مفاوضات شاقة غير معلنة خلف الكواليس، للخروج من أزمة اعتقال الصحفيين التي طالما سببت صداعًا مزمنًا للسلطة لأكثر من عام، وضغوطاً من منظمات حقوقية وصحفية إقليمية ودولية ومحلية أيضًا طعنت في مصداقية النظام الذي يتغنى زوراً وبهتاناً بحرية الرأي والتعبير، وصدّع رؤوسنا بأن حرية الصحافة مصونة ومكفولة للصحفيين! فاستجابت مضطرة، ليس حباً في صحفيي الجزيرة، ولا احتراماً لحرية الكلمة والصحافة.

كل ذلك أن الديكتاتورية والصحافة الحرة ضدان لا يجتمعان، لكنها لجأت إلى حيلة شاذة وغريبة هدفها كسب نقطة وهمية "رخيصة" أمام العالم في ملف حرية الصحافة والإعلام، فضلاً عن محاولة خاسرة لترهيب قناة الجزيرة وتأديبها وتكبيلها بعدم محاولة ممارسة أي دور إعلامي داخل مصر مستقبلاً.

أخطر ما في قرار الإفراج هو هذه الحالة من الإهانة والاحتقار لمصر وطنًا، في تصدير رسالة خطيرة، مفادها أن الجنسية المصرية باتت تجلب العار على حاملها، ويجب عليه الاغتسال من دنسها، وتهمة ينبغي التنصل منها؛ لذا أصبح التنازل عنها سبيلاً للبراءة والعودة للحياة من جديد، وهو وإن كان مخرجاً لأسير غياهب السجون، إلا أنه كان مخرجاً مهيناً لمعنى الوطنية، وطعناً في شرف الانتماء لتراب الوطن! ليصبح الفرز على أساس الجنسية! فيتم التعامل مع "بيتر جريستي" الأسترالي وزميله "محمد فهمي" مصري الأصل وصاحب الجنسية الكندية على أساس الجنسية الأصلية الأجنبية على نحوٍ من التقدير أو التنازل عن المصرية، والاكتفاء بالأخرى الأجنبية، كي يتم ترحيله وإطلاق سراحه.

 وفي المقابل لا عزاء لزميلهم الصحفي الثالث "باهر محمد" رفيق "زنزانة القمع"، المتهم في القضية ذاتها، إلا أنه مصري الجنسية، وتلك هي الطامة الكبرى التي تحول بينه وبين الحرية!

الأمر تجاوز حالة الفقر والعوز الذي يدفع بعض المصريين إلى الضيق بوطنهم، والكفر بأدنى درجات الانتماء والوطنية تحت ضغط القهر والظلم والفقر، إلى حد رعاية الدولة ذاتها -سلطةً عمليةً- طرد بعض مواطنيها المعارضين لسياساتها (المغضوب عليهم بطبيعة الحال) من صف الوطنية، عبر إجبارهم على التنازل عن جنسيتهم للحصول على الحرية، والخروج من ظلمة السجن وقسوته، وهو الاختيار الخطأ والأصعب في الوقت ذاته! فكيف تتم المقايضة على الحرية بالوطن في وطنٍ لطالما تظاهر القائمون عليه باحتضان الجميع، وأن الكل سواء أمام القانون دون تمييز؟

الواقع يؤكد أننا صرنا غرباء في أوطاننا؛ حيث يتم التعامل مع المواطن البسيط الفقير(البعيد عن جنة السلطة) بعنصرية مقيتة وكأنه لاجئ، بينما يُعامل الأجنبي الوافد معاملة الملوك، وكأنه صاحب الأرض ومن عليها، ما يقتل الشعور بالانتماء والوطنية، حيث لا كرامة لنبيٍّ في وطنه، ويجعل من الوطن الأم مجرد ذكرى مؤلمة من أطلال الماضي.