قضايا وآراء

6 أبريل بين الفيس بوك والصحراء

1300x600
أتذكر كيف كان الاحساس والحماس الذي أرخى سدوله علينا وقت أن كنا نعمل في جريدة الدستور قبل الثورة، عندما عقد معنا رئيس تحريرها، إبراهيم عيسي، اجتماعا لترتيب تغطية الفعاليات التي دعا لها نشطاء على فيس بوك، قبل أن يكون موقعا أساسيا وأداة معتبرة للحراك الاجتماعي.

كان الاجتماع مفعما بالحيوية والرغبة في المشاركة أكثر منه رغبة في المراقبة، ليوم كان نادراً حدوثه فى عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، إذ لم تكن مصر بعد على موعد مع أنواع مختلفة من الحراك، تراكمت وغيرها من الأنشطة، لتلد هبة جماهيرية عفوية كبرى على أرض المحروسة، حتى وإن كانت بموعد سابق التحديد على شبكات التواصل الاجتماعي.

عندما وقعت أحداث المحلة، على إثر إضراب عمالي مؤثر، اختلف المشهد بصورة أو بأخرى في مصر، وبدأ الشارع يفطن إلى ضرورة التغيير، بالمواكبة مع تلك الثورة التي أحدثها دخول الشبكات الإلكترونية إلى الحياة والواقع، وكانت اللقطات الأولى لإسقاط  صورة الزعيم، حسني مبارك، لاتزال مؤثرة ويمكن لأي من عاصر هذه الأحداث استرجاعها باعتباراها إرهاصات أولى ليناير 2011.

مضت الأيام وعقد الشباب الغاضب العزم على الخروج ضد النظام، تيارات وحركات سياسية، وشخصيات عامة وطلاب جامعة، تصدروا الحراك المذهل والفعاليات المبدعة طيلة 18 يوم، كانت بمنزلة الحلم الرومانسي الجميل الذى هب على وطن لم يرد له أن يحيا شبابه، أو يشعر بكرامته في يوم من الأيام.

وبشيء من الإنصاف كانت حركة 6 أبريل ذات دور، في مجمله إعلامي، لها نصيب من عمية التصعيد الصوري ضد نظام حكم عسكري، وتشكيل وعي قطاع لا بأس به من الشباب المتحمس إبان الثورة وما بعدها بفترة وجيزة.

وإذ تجيء ذكرى تأسيس الحركة، ومؤسسوها في معتقلات النظام العسكري، يكون السؤال الواجب طرحه من أعضائها بمسؤولية وصراحة، هو: ماذا بقي من 6أبريل؟!

يعود خفوت 6 أبريل كحركة، إلى الفترة التي شهدت أيضا خفوت شخصيات سياسية، استبشر بها المطالبون بالتغيير في مصر والحالمون بغد أفضل يسع الجميع وفق معايير واحدة، وقيم ومثل جديرة بالاحترام، كان أبرز هذه الشخصيات محمد البرادعي الذى صار لفترة ليست بالبعيدة رمزاً لتيار يرغب في الخروج من واقع مزيف، إلى واقع ينتمي إلى الضمير الإنساني، كما بشر به أتباعه دوما.

هذا الخفوت والانقلاب في الحركة أو تلك الشخصيات بدأ منذ معارضتها الإعلان الدستوري الثوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي، فقرارات رئاسية حازمة، غير كافية من وجهة نظر ثوار يناير، ضد تصرفات عدوانية للنظام القديم، باتت في نظر هؤلاء عدوانا على الحريات، ومساسا باستقلال القضاء وغيرها ممن اكتشف الشعب كله زيفها وسوء نية المروجين لها، بعد انقلاب عسكري دموي، شاركت فيه هذه الحركات والشخصيات.

لم يكن اختلاط 6 أبريل، رغم عدم كونها جزءاً مما سمي بجبهة الإنقاذ، ومحمد البرادعي غير الملوث سياسيا وقتها، بساسة عصر مبارك، ومرتادي الفضائيات وأصحاب المعارضة الشكلية، إلا المسمار الأول فيمن توسم فيهم الشباب المصري، الأمل في التغيير.

والآن كل الدلائل تؤكد أن العفن الذي غرقت فيه نخبة مبارك، ولا تعني النخبة هنا رموز نظامه، وإنما رموز معارضته الشكلية، أصاب جزءاً من قوى يناير بالعطب، استخدم فيما بعد للانقضاض على الثورة والإنسانية، في وطن منكوب بنخبة لا تقل إرهابا وفاشية عن هذه الفئة الهمجية، التي تطلق الرصاص على ثوار مسالمين يجوبون الشوارع حتى الآن لاسترداد الوطن.

ورغم كون 6 أبريل ومحمد البرادعي، وهو نائب الرئيس المعين من سلطة القتل والكراهية، وقت مذبحة رابعة العدوية والنهضة ويعد شريكا فيها حتى ولو استقال بعد وقوعها، جزءاً من نظام 30 يونيو، إلا أن هذا النظام سرعان ما طردهم من رحمته، متذكرا لهم ما صنعوه ضد مبارك.

وبعد مرور قرابة عامين من نكبة الثورة المصرية، لم تعتذر حتى الآن حركة السادس من أبريل عما شاركت به، وعما تطوع به مؤسسها عندما طرحوا فكرة الترويج للانقلاب العسكري في الخارج باعتباره ثورة شعبية، وهو في الحقيقة نكبة وطنية، حشدت لها الرؤوس وجيشت لها وسائل الدعاية السوداء.

عقدت الحركة مؤخرا مؤتمرها السنوي في الصحراء!! لكنْ مسؤولو الحركة الذين اضطروا لعقد هذا المؤتمر على الرمال، ويجاهرون بأن عهد محمد مرسي لا يختلف عن السيسي، في عملية تزوير فج وفاضح، لواقع يعلمه الجميع، لا يعرفون أن المصريين يعيشون في الوادي على ضفاف النيل وليسوا سحالي تحيا في الصحراء.

الحركة التي بات وجودها ينحصر بين ثلاثة أماكن هي الفيس بوك، والصحراء والقنوات الرافضة للانقلاب العسكري، الإخوانية في نظرهم، تتناسى وبقصد أن هناك ألاف الفتيات يتظاهرن يوميا تحت ضربات الرصاص والخرطوش منذ ما يقرب العامين، ويتعرضن للسحل والاعتقال والتنكيل والفصل من الجامعات، وتعرض بعضهن للاغتصاب، ومنهن من قتل زوجها في طابور الزيارة برصاص الأمن، ناهيك عن آلاف صور النضال الحقيقي التي يمثلها وبجدارة الرافضون للحكم الإرهابي الذي كانت 6أبريل أحد صناعه.

هذه التضحيات المذهلة من ثوار رافضين للحكم الدموي عليها أن تكون ملهمة لحركة 6 أبريل والقائمين عليها، ففكرة وحدة الصف الثوري مطلوبة وغير مستبعدة، ومرحب بها من الثوار، حتى لمن أجرم فيحق الوطن والثورة، وشارك في الانقلاب.

كل ماهو مطلوب من هؤلاء تناسي  فكرة اختلاف المطالب وقضية عودة مرسي للحكم، والتيقن بأن الإخوان منهم نحو 50 ألف معتقل في سجون وحشية، بما فيهم جميع قيادات الصفوف الأربعة الأولى للجماعة. و أنه يتوجب على من يريد معارضة النظام أن ينزل إلى الشارع ويرفع مطالبه أياً كانت، وأن يجمع الناس حوله، وألا يتعلل بأن من ينزلون يطالبون بعودة مرسي والشرعية، وإلا فإن الصحراء والعالم الافتراضي سيكون هو البيئة الخصبة والوحيدة لهم؟