مقالات مختارة

الانتفاضة أيضا.. أُنْثى!

1300x600
كتب خيري منصور: من حُسن حظ الأنوثة في لغتنا العربية أنها تقترن بالشمس والحرية والديمقراطية والطبيعة، مقابل المرض والفقر والقهر والزجر التي تقترن بالذكورة، وقبل أكثر من ستة عقود كتب الشاعر الفرنسي أراغون، وهو شاعر مقاومة بامتياز، أن المرأة هي مستقبل الرجل، وكان هذا الشاعر العاشق مفتونا بتراث الحب عند العرب، فأطلق على نفسه لقب مجنون الزا، تيمنا بقيس بن الملوح.
 
ورغم أن فوكاياما اشتهر بأطروحته عن النظام العالمي الجديد، إلا أنه ألف كتابا عن تأنيث التاريخ بعد تحريره من الاحتكار الذي مارسته أيديولوجيا الذكورة لستة آلاف عام على الأقل، تذكرت هذا وغيره وأنا أرى الانتفاضة الفلسطينية تأخذ حقها من الأنوثة، فثمة شهيدات ومقاتلات منهن من اكتشفن أن للسكين وظيفة غير تقشير البصل.

ظاهرة لافتة، أن يكون للمرأة العربية سواء في فلسطين أو أمكنة أخرى من العالم العربي هذا الحضور، رغم كل ما كابدته من حصار وإجهاض لدورها، بحيث جرى اختزالها كما يقول السايكولوجست د.مصطفى حجازي إلى مجرد وظيفة!

لقد سبق لنساء في التاريخ أن بترن أثداءهن ليس بسبب أَورام أو أي مرض، بل لكي لا تعوقهن عند استخدام القوس وإطلاق السهام، وعرفن باسم الأمازونيات.

وقد لا يعرف بعض الذكور المزهوون بشواربهم أن الأمومة كانت في زمن مضى هي الأصل، وقبل أن تسود الباترياركية بعد اكتشاف البرونز هذا ما يقوله علماء أنثربولوجيا منهم مالينوفسكي، ويسمى تلك المرحلة الهزيمة الكبرى التي لحقت بالأنوثة.

الظاهرة النّسوية في الحراكات العربية تدعو إلى التأمل والتحليل، خصوصا بعد أن بلغت ذروتها في الانتفاضات الفلسطينية، فالتاء سواء كانت مفتوحة أو مربوطة لم تعد قيدا يعوق المرأة عن ممارسة دورها الوطني والتاريخي.

لكن ذلك كله لم يدفع بعض الذكور إلى الاعتذار عما اقترفوا بحق الأنثى منذ الوأد الأول في الرّمل حتى هذا الوأد الحديث بأساليب جديدة، وتقتضي الحقيقة بالاعتراف بأن المرأة العربية تستأنف دورا قديما، يوم كانت شاعرة ومحاربة وملكة، لكن القطيعة التي شملت كل شيء في حياتنا أنتجها تخلف مدجج بالجهل، فالانتفاضة أيضا أنثى!!

(عن صحيفة الدستور الأردنية، 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2015)