النظام العربي البوليسي هو الذي انهزم.. انهزمت دولة البوليس التي جندت الإعلام فأصبح مهرجا، وجندت الفنانين فأصبحوا لها، وجندت شيوخ الدين فاصبحوا مرتزقة وجندت النخب الثقافية فأصبحوا أفاقين. انهزمت أدوات الفساد جملة.
بلاد الشام تبتلع أحلام ترمب وتعصف بخطة استراتيجية انكبّ على إنجازها كبار المفكرين والساسة والاقتصاديين في أمريكا.. ولن تكون المرحلة القادمة إلا عكس توجهات الإدارة الأمريكية نحو مزيد من الصمود والمرابطة وتعزيز أواصر المنطقة في مواجهة التغول الاستعماري.. وتلك الأيام نداولها بين الناس.
كل حالات الانفصال في الأمة لا تخدم إلا العدو الخارجي، الذي يبذر بذور الفتن لتفجير مجتمعاتنا، وغرس الأسافين بين مكوناتنا، لتنتهي العملية التخريبية بمزيد من هدر الطاقات، وضياع الأمن والاستقرار.
هل يكفي تقديم ملفات الانضمام إلى بعض المنظمات الدولية؟ إن ذلك يوجب التنبه والحذر، حيث كما يبدو أصبحت القضية الفلسطينية عبارة عن حقيبة بيد وزير الخارجية الفلسطينية يفتحها وفق المسموح به على أرضية تقدير مواقف يتحكم فيها أكثر من معطى ذاتي وموضوعي.
خاض السودان معركة الوجود وحيدا وهو مهدد بتقسيم بلده إلى خمسة أقاليم إن لم يدرك العرب وبالذات المجاورون خطورة ذلك، التي تتمثل في أن إسرائيل ستصبح جارتهم الإفريقية، وأن التناحر القبلي سيؤدي إلى انتشار الإرهاب.
لشعب اليوم اكثر حيوية من اي وقت مضى واكثر تواجدا في ساحات الاشتباك، ولقد أصبح تفعيل الكل الفلسطيني أمرا ميسورا بعد ان اكتشف المراهنون على التسوية وعلى نوايا الأمريكان ان الأمر كله وهم ولا بد من تغيير السلوك السياسي وإعلان الموقف واضحا صريحا.
خسرت الإدارة الأمريكية دورها السياسي في العملية السياسية بين الفلسطينيين والصهاينة، وخسرت بذلك مكانة إقليمية ودولية بشكل صارخ لن تعوضها بسهولة.. وبرفض الفلسطينيين يصبح العمل السياسي للتسوية متحررا من هيمنة الأمريكان، وفي حيز دول أخرى تنشط الآن على المستوى الإقليمي.
الشعب الفلسطيني، أذهل الجميع بحضوره الفعال وحيويته الحضارية في إحداث الاشتباك الشامل مع المؤسسة الاستعمارية، وهو ينبعث لانتفاضته الرابعة بكل لياقة، مقدما جيلا من الشباب المثقف الواعي الذي غسل يديه تماما من الأحزاب وروح التخاصم بينها لا هدف له إلا القدس ولا منهج له إلا المقاومة.
ترمب والإدارة الأمريكية غير مستعدين أن يراعوا عواطف المسلمين ولا يتأثرون كثيرا أو قليلا بتوسلاتهم.. فالمسألة لها علاقة بخط سير استراتيجي يقضي بالتفرغ من عناصر القوة في الأمة وإسقاطها أرضا وقهرها معنويا والزج بها في متاهة اليأس والاندحار.
يدرك أولئك الذين يمدون حبال الود للعدو الصهيوني ويقطعون حبال التفاهم مع الإخوة والجيران أن المرافق المنطقي لموضوع التخلي عن فلسطين هو الطعن بالمقاومة وشيطنتها فنطقوا بهتانا وباطلا عندما اعتبروا المقاومة الفلسطينية "إرهابا" وأخذوا في محاصرتها.
لا يمكن تصور أي تطور سياسي على الأرض في القضايا محل الاشتباك الآن في المشرق العربي بالذات بعيدا عن التفاهمات العميقة بين القيادتين والمؤسستين الأمنيتين الأمريكية والروسية.
خرج السودان من تحت طائلة العقوبات الأمريكية ولكن لم تنته بعد سطوة أمريكا على العالم العربي والإسلامي، وهذا يستوجب نهوضا عربيا سياسيا وإعلاميا وقانونيا لوضع حد للعجرفة الأمريكية.. تولانا الله برحمته.
بلا شك ان الشعوب الغربية تستحق منا الاحترام وهي تندد بسلوك حكوماتها المنخرطة في الحرب علينا في العراق وسورية وفلسطين.. وتستحق منا الاحترام وهي تتقبل الحياة مع ملايين العرب والمسلمين اللاجئين اليها بفقرهم وبكثير من تخلفهم وببعض تطرفهم.
إنني أتهم الجهلة واللصوص كلهم أين كانت مواقعهم، هؤلاء الساخرون من الثقافة والمثقف والمحتقرون للحرف والكلمة، المتلذذون بمناصبهم ومواقعهم، موظفين كبارا أو صغارا، أتهمهم بأنهم العقبة الكأداء أمام مهمة الثقافة في بلداننا.
الخسارة على جبهة الثقافة هي الخسارة التي تكون مقدمة لخسارات عديدة والانتصار على جبهتها هو البداية لكل انتصار، ومن هنا تكون ثقافتنا هي جدارنا الأخير.. فهل ندرك خطورة المسألة ونليها ما تستحق من رعاية واهتمام؟
في القدس الجوابُ الحقيقي: مواجهاتٌ ومظاهرات وطعن وقتل ودهس. هذا هو بيان القدس للعالم أجمع وليس من متوقعا سوى ذلك لمدينة مشحونة بالمعاني الروحية الخاصة، ونحوها تتعلق قلوب المسلمين من كل صوب.