قضايا وآراء

عن زيارة محمود عباس المفاجئة إلى تركيا

ماجد عزام
1300x600
1300x600
على نحو عاجل زار الرئيس الفلسطيني محمود عباس تركيا الأسبوع الماضي. الزيارة تم الإعلان عنها بشكل مفاجئ قبل يوم واحد فقط من بدئها، ودون أن تكون مجدولة مسبقاً، واستغرقت أيضاً ثلاثة أيام على غير عادة. عباس الذي يجري زيارات خاطفة تستمر غالباً ليوم واحد أو يومين على أبعد تقدير.

لا يمكن تحليل الزيارة ووضعها في سياقاتها السياسية والاقتصادية المحلية والإقليمية دون تذكر خلفياتها ومعطياتها كاملة؛ المتعلقة بالزمان الذي حدثت فيه بشكل مفاجئ فيه أو المكان، أي وجود الرئيس الفلسطيني في تركيا الداعمة جداً للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، والتي باتت قوة إقليمية كبرى لا يمكن الاستغناء عنها من قبل أصدقائها وحلفائها أو تجاهلها من قبل خصومها وأعدائها.
حضر الرئيس عباس إلى تركيا في ظل التطورات العاصفة التي عاشتها وتعيشها فلسطين في الشهور الأخيرة، بعد هبّات القدس ومعركة سيفها، والمقاومة الشعبية المتواصلة في أيقونتها بلدة بيتا والبلدات المجاورة والتي بدت السلطة غائبة عنها جميعاً. كما حضر على وقع التظاهرات العاصفة والغاضبة ضده

حضر الرئيس عباس إلى تركيا في ظل التطورات العاصفة التي عاشتها وتعيشها فلسطين في الشهور الأخيرة، بعد هبّات القدس ومعركة سيفها، والمقاومة الشعبية المتواصلة في أيقونتها بلدة بيتا والبلدات المجاورة والتي بدت السلطة غائبة عنها جميعاً. كما حضر على وقع التظاهرات العاصفة والغاضبة ضده شخصياً وضد قيادة السلطة بشكل عام، في أعقاب مقتل نزار بنات أثناء اعتقاله من قبل قوة أمنية تابعة للسلطة.

ببساطة أتى عباس إلى تركيا وهو في أسوأ أحواله الشخصية والسياسية وشعبيته منخفضة جداً، كما تقول استطلاعات الرأي، وسيخسر الانتخابات الرئاسية - بينما تخسر فتح التشريعية - أيا كان المرشح المتنافس أمامه. ومن هنا، يمكن الاستنتاج أنه (أي عباس) سعى لتكريس وتعزيز شرعيته كرئيس للشعب الفلسطيني عبر زيارة دولة هي أصلاً داعمة للشعب الفلسطيني وتتمتع بشعبية كبيرة في صفوفه، ناهيك عن أنها تتمتع بحضور كبير ومؤثر في المنطقة.
بتفصيل أكثر ومن الناحية السياسية، تدعم تركيا العودة إلى عملية التسوية واستئناف المفاوضات بين السلطة وإسرائيل على أساس الشرعية الدولية وقراراتها، وخيار حلّ الدولتين المدعوم دولياً، وهو المسار المفضل للرئيس عباس

من هنا لم يكن مفاجئاً الحديث عن دعم تركيا للشعب الفلسطيني في سياقات متعددة، كما عن إبداء الاستعداد لتطوير العلاقات مع السلطة الفلسطينية في مستوياتها المختلفة، خاصة الاقتصادية والتجارية منها.

بتفصيل أكثر ومن الناحية السياسية، تدعم تركيا العودة إلى عملية التسوية واستئناف المفاوضات بين السلطة وإسرائيل على أساس الشرعية الدولية وقراراتها، وخيار حلّ الدولتين المدعوم دولياً، وهو المسار المفضل للرئيس عباس، والذي يريد من خلاله أيضاً تحسين أوضاعه السياسية، خاصة مع رحيل إدارة دونالد ترامب ومجيء إدارة جو بايدن الداعمة له شخصياً والتي تدفع في نفس الاتجاه أيضاً.

المعطيات السابقة منطقية وواقعية ومفهومة، ولكنها على وجاهتها لا تبرر الطابع العاجل والمفاجئ للزيارة، كما مداها الزمني الواسع والممتد نسبياً. ومن هنا يمكن تصديق ما ذكرته وسائل الإعلام الإسرائيلية - صحيفة إسرائيل اليوم وهيئة البث الرسمية مكان - عن قيام عباس بالوساطة بين تركيا وإسرائيل ومساهمته المباشرة في ترتيب الاتصال الهاتفي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ الاثنين الماضي، علماً أن عباس كان قد تحدث إلى هيرتزوغ قبل ذلك بساعات فقط.
المعطيات السابقة منطقية وواقعية ومفهومة، ولكنها على وجاهتها لا تبرر الطابع العاجل والمفاجئ للزيارة، كما مداها الزمني الواسع والممتد نسبياً. ومن هنا يمكن تصديق ما ذكرته وسائل الإعلام الإسرائيلية - صحيفة إسرائيل اليوم وهيئة البث الرسمية مكان - عن قيام عباس بالوساطة بين تركيا وإسرائيل

هذه الوساطة تهدف أيضاً لتحقيق نفس الهدف أو الأهداف لجهة تحسين الوضع الشخصي البائس لعباس وتقويته سياسياً، علماً أن الاتصال بين الرئيسين التركي والإسرائيلي لا يتناقض مع المنحى العام للسياسة التركية في الفترة الأخيرة، خاصة مع التغييرات اللافتة في إسرائيل إثر رحيل رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو عن السلطة وتسلّم ائتلاف سياسي واسع بدلاً منه، كما تسلّم الرئيس هيرتزوغ نفسه مهام منصبه خلفاً للمنصرف روبين ريفيلين.

خلال الاتصال تحدث الرئيس التركي عن الانفتاح على تطوير وتحسين العلاقات مع إسرائيل في أبعادها المختلفة الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية، لكنه ربط ذلك بشكل واضح وصريح بتحسين العلاقة أو تطورها بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وتحرّك جدي باتجاه استئناف المفاوضات وفق حلّ أو خيار الدولتين.

في المقابل لم يرشح شيء عن الزيارة في ما يتعلق بالوضع الداخلي الفلسطيني، تحديداً في ما يخص طلب وساطة تركية بين عباس وقيادة حماس ولو من باب استضافة لقاء بينهما. وواضح أن هذا لم يطرح جدياً، ربما طرحه عباس لتسجيل النقاط في سياق العلاقات العامة، خاصة أن وجهته الفعلية هي تجاه إسرائيل وأمريكا لا حماس وغزة، بدليل عودة السجال الإعلامي بين الطرفين وتشديد السياسة الظالمة ضد غزة، ووضع السلطة شروطاً تعجيزية لإدخال المنحة القطرية للفقراء، كما رفض أي حلول وسط للشروع في عملية إعادة الإعمار بغزة.

إلى ذلك وضعت السلطة وثيقة من 30 بندا أسمتها إجراءات بناء الثقة وسلمتها منذ أيام إلى الإدارة الأمريكية، كي تعمل عليها مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة، ولا حديث فيها أبداً عن غزة ورفع الحصار عنها أو المصالحة باعتبارها ضرورة وطنية فلسطينية.

في سياق الزيارة لا يمكن استبعاد رغبة عباس في توجيه رسالة إلى القاهرة في ظل الخلافات بينهما على عدة ملفات؛ منها إعادة الإعمار وإدخال المساعدات والإغاثات الإنسانية إلى غزة والرسالة مفادها إمكانية الاستغناء عنها والاستعانة بوسيط غيرها، وفي الحد الأدنى إغضابها أو استفزارها، علماً أن تركيا ليست شريكة في ألاعيب وحيل ودعايات الرئيس الفلسطيني، ولا تطمح بلعب الوسيط بين إسرائيل والسلطة، ولا بين هذه الأخيرة وحماس مع تشجيع الحوار والمصالحة بينهما.
يبدو عباس مصراً على المضي قدماً في خياراته الفاشلة، سواء في رفض المصالحة ومساعي ترتيب البيت الفلسطيني بما في ذلك إنهاء الانقسام، كما مواصلة الخطوات العقابية غير الإنسانية تجاه غزة، والتشبث بعملية تسوية ومفاوضات لا أفق لها

في كل الأحوال يبدو عباس مصراً على المضي قدماً في خياراته الفاشلة، سواء في رفض المصالحة ومساعي ترتيب البيت الفلسطيني بما في ذلك إنهاء الانقسام، كما مواصلة الخطوات العقابية غير الإنسانية تجاه غزة، والتشبث بعملية تسوية ومفاوضات لا أفق لها، ناهيك عن أن حل الدولتين نفسه لم يعد واقعياً، لا يمكن أن يرفضه العالم طالما يصر عليه الفلسطينيون أنفسهم.

وعموماً، فإن ما يفعله بمثابة حلاوة الروح كونه بات ميّتا إكلينيكياً من الناحية السياسية، كما المرحلة السلطوية كلها. والأمر يتعلق فقط بالترتيبات أو آليات وإشكال الانتقال نحو المرحلة الجديدة.

أما تركيا من جانبها فستواصل دعم الشعب الفلسطيني بكافة فئاته وقواه الحية وعلى كل المستويات، معنوياً وسياسياً وإعلامياً واقتصادياً، بما في ذلك مساعي التوصل إلى حلّ عادل للقضية يرتضيه أهلها وأصحابها، وقبل ذلك دعم مساعي المصالحة وحلّ الخلافات وإنهاء الانقسام وفق أسس وطنية وديمقراطية شفافة ونزيهة.
التعليقات (0)