كتب

قصة انتقال السلفيين العرب من الدعوة إلى السياسة في كتاب

كيف تفاعل السلفيون العرب مع التحديات السياسية لبلدانهم؟- كتاب يجيب
كيف تفاعل السلفيون العرب مع التحديات السياسية لبلدانهم؟- كتاب يجيب

الكتاب: السلفيون والسياسة
الكاتب: د. محمد حافظ دياب 
الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب
عدد الصفحات: 247
تاريخ النشر: 2015

مثلت العلاقة بين الإسلام والسياسة واحدة من أهم الإشكاليات الفكرية والسياسية في الساحتين العربية والإسلامية، ثم في مرحلة لاحقة في الساحات الدولية. ومع تنوع الحركات الإسلامية وتباين وجهات نظرها تجاه العمل السياسي مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، فإن منهاجها الإصلاحي لا يخلو من بعد سياسي.. 

ومن المدارس الإسلامية التي نأت بنفسها عن العمل السياسي أو المجاهرة به هي المجموعات السلفية التي قدمت نفسها للناس باعتبارها جماعات دعوية هدفها إحياء الدين بمفاهيمه التي رسخها السلف.. وما أن هبت رياح ثورات الربيع العربي أواخر العام 2010 مطلع العام 2011، حتى جاهر السلفيون بدعواتهم الإصلاحية التي لا تستثني الجوانب السياسية.

ضمن هذا الإطار يأتي كتاب "السلفيون والسياسة" للكاتب د. محمد حافظ، الذي خصصه للمدرسة السلفية وعلاقتها بالسياسة. 

مقدمة وسبعة فصول 

يحتوي الكتاب على مقدمة وبابين بمجموع سبعة فصول بواقع ٢٤٧صفحة من القطع المتوسط، وجاء الفصل الأول بعنوان مقاربة مفاهيمية والثاني بعنوان بنية الخطاب السلفي، أما الباب الثالث فجاء تحت عنوان إشكالية التاريخ، وتناول الفصل الرابع الحركة الوهابية، أما الفصل الخامس فتناول الحالة المغربية، فيما جاء الباب السادس تحت عنوان المشروع المصري. واختتم الكتاب بالفصل السابع تحت عنوان السلفية الجهادية.

في مقدمة كتابه أشار الكاتب الى أهمية التقصي النظري لمفهوم السلفية لأجل ضبط المفاهيم، لافتا إلى أن التعرف على طبيعة العلاقة بين السلفيين والسياسة من التعقيد بمكان. ويؤرخ الكتاب لبداية علاقة السياسة بالسلفية بما وصفه بتقاسم أحمد ابن حنبل السلطة مع الخليفة العباسي عام 234 هجري حسب ما أوردته في الصفحة التاسعة من كتابه.

ثم أشار الكاتب إلى تجارب العصر الحديث ومشاركة السلفيين في السياسة، كما هو الحال في باكستان والكويت والسودان والسعودية والمغرب ومصر عقب ثورة يناير، لافتا إلى أن دراسته هذه ستتناول أربعة تجارب هي التجربة السعودية والمغرب ومصر وكذلك التجربة الجهادية بشكل عام وليس في بلد محدد، مؤكدا في الوقت ذاته على عدم إغفال حضور السلفية في عدة بلاد أخرى، مثل اليمن والكويت وتونس والجزائر، ولكنه ركز على التجارب المشار إليها كنماذج يمكن القياس عليها.

في الباب الأول الذي جاء تحت عنوان "مقدمات نظرية".. وفي الفصل الأول منه يحاول الكاتب أن يؤطر للمفهوم النظري للسلفية، باعتبار أن ضبط المفاهيم من شأنه إزالة الغموض حسب قوله، ومحاولة الخوض في التجارب التاريخية لعلاقة السلفيين بالسياسة ليدلل على هذه العلاقة من خلال النماذج المشار إليها.

تعريفات متعددة

وفي الفصل الاول الذي يحمل عنوان "مقاربة مفاهيمية" تناول الكاتب ماهية السلفية وتعريفاتها والتي تعني التقدم أو المتقدمون، ولكن في الكتابات الإسلامية تعني السلف الصالح كما أورد أبو حامد الغزالي.


وهناك من يرى أن كلمة السلف يدخل فيها كل مجتهد من علماء الإسلام في أي عصر من العصور أو كل مسلم سلم من الشبهات في العقيدة في رأي البعض الآخر، وهناك من يراه "مفهوما يرمز إلى نزعة احتجاجية على التطورات التي طرأت على مستويين من المستويات الاساسية للدين، هما المستوى الفكري والمستوى التعبدي بحسب الكاتب.
 
وساق الكاتب تعريفا آخر للسياسي المغربي علال الفاسي مفاده وجوب أن تكون السلفية "متحررة من الجمود، وثائرة ضد الواقع، وعاملة على تغييره لبناء حياة وطنية سليمة، منبثقة من الفكر الإسلامي المؤمن بالدين والمتحرر من أثقال الانحطاط".

وتناول الكاتب في هذا الفصل العلاقة بين السلفية والأصولية والربط بينهما من خلال عدد من الكتاب والعلماء والمفكرين الذين تناولوا الصحوة الإسلامية في الفترة الأخيرة، مثل الأفغاني والباحث السوداني حيدر إبراهيم والفرنسي أولفييه رووا وغيره من الباحثين الأوربيين الذين اعتبروا الأصولية ظاهرة مشتركة بين كافة الأديان .

ولكن الكاتب وتحديدا في صفحة ٤٥ من كتابه حاول أن يقدم تمايزا بين الأصولية والسلفية بقوله "ويتفردان في إمكان اعتبار السلفية دعوة دينية اجتماعية، فيما الأصولية دعوة دينية اقرب إلى السياسة".

وينهي الكاتب هذا الفصل بعنوان جانبي "مواقف متباينة" مشيرا من خلاله إلى التباين في تعريف السلفية ما بين من يعاينها كمذهب عقدي ينطلق من الكتاب والسنة، وبين من يرفض بوجود مذهب مستقر للسلف يصح أن يكون عقيدة قطعية.

التناول الأيديولوجي 

وفي الفصل الثاني يتناول الكاتب بنية الخطاب السلفي الذي وصفه بالمعقد بالنظر إلى حضوره وانسياقه الممتد على مسيرة التاريخ، متناولا عدة نقاط في هذا السياق، منها التشكيلة الخطابية والمتعلقة بالمرجعية الناظمة للسلفية، سواء منها ما يتصل بالتفسيرات المقدمة لنص الوحي أو لتأثير الظروف السياسية.

وبعد مقدمة طويلة عن السلفية يبدأ الكاتب التطرق لموضوع كتابه في صفحة ٥٩ بالإشارة إلى الصراع السياسي حول السلطة وظهور الفرق السياسية التي تحولت إلي فرق مذهبية بحسب الكاتب، والذي حاول الفقه البيني حسب وصف الكاتب احتواء هذا الصراع باعتماده على الإجماع، ما يشي بأن الإجماع مثل أحد المصادر اللانصية التي كرست مفهوم السلفية بشكل سالب حسب الكاتب.

 

السلفية تعتبر السياسة استكمالا للمشروع الدعوي وأن النموذج السلفي يمكن أن نسميه "السياسوية" الإسلامية الكامنة أو المنتظرة، حيث انتظار السلفية للحظة المواتية لتنفيذ مشروعها.

 



وفي تناوله السلفية من منظور أيديولوجي، أكد الكاتب على أن تناول السلفية في هذا السياق يثير إشكالية إيديولوجية يزداد وضوحها، اعتبارا من كون هذه النزعة لا تمثل معرفة متتالية خالصة أو مجرد توجهات تناشد الترشيد العقائدي والتعبدي، بل شأنا يندمج فيه النظر بالممارسة، عبر تحالف موصول بين الأنظمة الحاكمة والفقه السلفي.

ثم يتطرق الكاتب إلى مفهوم الجماعة، واصفا إياه بأحد المحددات المهمة لبنية الخطاب السلفي التي تلعب دورا أساسيا في إعادة إنتاجه والحفاظ عليه، رغم تأكيد بعض الباحثين على أن السلفية ليست عنوانا مميزا تندرج تحته فئة من المسلمين ممن يؤمنون بها كاطار عام جامع، بينما هناك من يصر على أن هذه التسمية ضرورية لتمييز هذه الطائفة عن سائر طوائف الضلال الذين تركوا منهج الصحابة في فهم الدين بحسب الكاتب.

مراحل تطور السلفية 

أما الفصل الثالث الذي جاء تحت عنوان إشكالية التأريخ يؤرخ الكاتب للمشروع السلفي، مشيرا إلى بدايات عهد أحمد بن حنبل مؤسس آخر المذاهب السنية الأربعة الأساسية في نهاية القرن الثاني الهجري، مرورا بتلميذه ابن تيمية ثم بعده بقرون مع محمد بن عبد الوهاب في نجد في مقاومة ما أسماه الأشكال الوثنية والانحراف التي تسربت إلى عقيدة التوحيد وقواعد التعبد، ليتحول بعدها إلى أرضية فكرية لمعظم حركات الإصلاح الفكري والسياسي التي شهدها العالم الإسلامي، وما تفرع عنها تاليا من تيارات واتجاهات.

ويشير الكاتب هنا إلى الصعوبات التي تصادف التأريخ للسلفية باعتبار أن تاريخها ليس شأنا علميا تاريخيا ولكنه شأن عقائدي يرتبط بتاريخ الانحراف عن الأصل النموذج، وعليه هناك صعوبة في كيفية التعامل مع الخطاب السلفي وضرورة الأخذ في الاعتبار المعطيات التي صاحبته في إطارها التاريخي المحدد.

وفي الصفحة 87 من الكتاب يناقش الكاتب المسارات والانعطافات، حيث يشير إلى الدراسات التي قاربت مسار النزعة السلفية والتي لم تترك تاريخا خطيا يؤمن تطورها بالنظر إلى تواجدها كمصطلح جامع يطلق على طريقة السلف في تلقي الإسلام وفهمه وتطبيقه.

وهنا يشير الكاتب إلى سلفيتين، الأولى سنية مثلها أهل السنة والجماعة، تقوم على الاقتداء بمنهج السلف الصالح كله، والثانية شيعية وعبر عنها أهل العصمة والعدالة، وتؤكد على الاقتداء بالإمام علي والأئمة الذين تلوه، بالإضافة إلى سلفيات أخرى قد لا يمكن حصرها، بسبب القصور في دقة الشمول والتمييز.

وضمن هذا الفصل يتناول الكاتب الحقب والمراحل المرتبطة بالسلفية في العصر الحديث، والتي شملت المرحلة الأولى الوهابية والسنوسية والمهدية وهي التي تدعو إلى العودة للمنابع من خلال الاجتهاد وإصلاح العقائد، والثانية واكبت فترة النهضة ويمثلها الأفغاني والطهطاوي ومحمد عبده ورشيد رضا والكواكبي وعبد الحميد بن باديس وشكيب أرسلان وعبد القادر الجزائري وخير الدين التونسي.
 
أما المرحلة الثالثة فهي حركات الإخوان المسلمين وتشتمل على فكر البنا وقطب، والمرحلة الرابعة هي الفكر الإسلامي الجديد، وتضم كل الأفكار والحركات الإسلامية الحالية التي تسعى للرد على تحدي التخلف والاستعمار بحسب ما أورد الكاتب عن الباحث العراقي قيس العزاوي.

وفي الباب الثاني والذي جاء تحت عنوان "السلفية والسياسة" ناقش الكاتب العلاقة المباشرة بين السلفية والسياسة.

وخلال المقدمة لهذا الباب يشير المؤلف إلى معضلة تواجه الباحثين في تناول هذه الزاوية، حيث أن السلفية تعتبر السياسة استكمالا للمشروع الدعوي وأن النموذج السلفي يمكن أن نسميه "السياسوية" الإسلامية الكامنة أو المنتظرة، حيث انتظار السلفية للحظة المواتية لتنفيذ مشروعها.
 
وعليه يمكن القول إن السلفيين لا ينكرون الانشغال بالعمل السياسي، إلا أنهم يؤمنون بالتدرج الذي يعتبرونه شرعيا ومنطقيا، حيث يتم البدء بالعقيدة ثم بالعبادة، فالسلوك تصحيحا وتربية حتى يجيء اليوم للدخول في السياسة، بحسب الكاتب.

وفي الفصول الرابع والخامس والسادس يتناول الكاتب نماذج للسلفية السياسية في كل من السعودية والمغرب ومصر وينهي الباب بالفصل السابع تحت عنوان السلفية الجهادية.

الدولة الوهابية 

في الفصل الرابع الذي جاء تحت عنوان "الحركة الوهابية" تناول الكاتب تاريخ نشأة الحركة التي جاءت عقب آخر محاولة سلفية كبرى في العصر الإسلامي الوسيط قدمها ابن تيمية، فمع نهاية القرن الثامن عشر، برزت في منطقة نجد شمالي شرق الجزيرة العربية دعوة تسعى إلى استعادة نموذج الدولة الإسلامية الأولى، كما يمكن أن يفهم من تعاليم الإسلام، بواسطة التمسك بظاهر الكتاب والسنة، والابتعاد عن التأويل، والعودة إلى "نهج السلف الصالح" باعتباره نهج الإسلام الأصيل.

وارتكزت هذه الدعوة على مبادئ ثلاثة: التوحيد بمعنى الدعوة إلى الله وحده والتعبد له دون شريك معتمدا على القرآن والسنة وأثر السلف، والجهاد المشروع في سبيل نشر هذه الفكرة، والاجتهاد بشرط عدم مخالفته لنصوص القرآن والسنة وآثار السلف.

وخلال هذا الفصل يتناول الكاتب تاريخ تأسيس الإمارة الوهابية بالتنسيق والتعاون بين محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود عم ١٧٤٧، من خلال تعاقد بينهما بمقتضاه يحمل بن سعود راية الوهابية وحمايتها على قاعدة اقتسام المجال العام بينهما، حيث حاجة الوهابية لقوة تحميها، وحاجة آل سعود لمظلة دينية وشرعية تسوغ تطلعاتهم وبلورة فكرة التحالف ما بين الفقيه والأمير ويقضى التوافق بأن تكون الشؤون السياسية في أيدي ابن سعود فيما يحتكر ابن عبد الوهاب وسلالته الشؤون الدينية.

 

ارتكزت الدعوة الوهابية على مبادئ ثلاثة: التوحيد بمعنى الدعوة إلى الله وحده والتعبد له دون شريك معتمدا على القرآن والسنة وأثر السلف، والجهاد المشروع في سبيل نشر هذه الفكرة، والاجتهاد بشرط عدم مخالفته لنصوص القرآن والسنة وآثار السلف.

 



ويتناول الكتاب محطات الدولة الوهابية حسب وصفه من خلال عدة عنوانين، مثل الدعوة والدولة والمملكة الغامضة والمركز الجديد ناقش من خلالها تطور نشأة الدولة وإعلان المملكة ومحاولات القضاء عليها بعد تنتظم نفوذها وتمددها في الجزيرة العربية، وما سببته من قلق للدولة العثمانية، مما دفعها للاستعانة بمحمد على والي مصر لتحجيمها وردعها، وهو ما جرى بالفعل، ولكن استعادت قوتها مرة أخرى واعلنت الممكلة وتوحيد أقاليم المنطقة التي تم السيطرة عليها وصولا إلى اكتشاف النفط والحماية الأمريكية والغربية للمملكة.
 
ويشير الكاتب هنا إلى اعتماد المملكة على أربعة أسلحة هي سلاح الدين وسلاح النفط وسلاح القوة وسلاح القمع للحفاظ على بقائها، فضلا عن الحماية الغربية التي تريد الحفاظ على وصول النفط إليها، عبر استقرار هذا الوضع وبقائه لضمان المصالح والنفوذ بالمنطقة.

التجربة المغربية 

وفي التجربة المغربية وهي عنوان الفصل الخامس يتناول الكتاب التركيبة الدينية في المغرب، والمتمثلة في أربعة ضوابط منهجية وهي العقيدة والمذهب المالكي والمسلك الصوفي وإمارة المؤمنين كدعامة للأمن  الروحي، بحسب الكاتب الذي أكد على وجود حركة سلفية وهابية تقاطعت مع ما أشار إليه وأدت إلى إضعاف ادوار التدين التقليدي، من خلال تغلغلها في أوساط بعض المؤسسات الدينية الرسمية والحركات الإسلامية.

وفي هذا السياق أشار الكاتب إلى الحضور القديم للسلفية الذي أسفر في فترة تاريخية عن تأسيس كيانات تاريخية، مثل دولة المرابطين، وصولا للقرن التاسع عشر الذي تنامت فيه السلفية بالمغرب وباتت متميزة علي صعيد المجتمع، في ارتباط مع ما أحدثه الاستعمار الفرنسي من شروخ في بنية المجتمع المغربي التقليدي واقتصاده في مواجهة تمدد حركة التبشير، خاصة بعد مد بعض الطرق الصوفية يدها للاستعمار، ويؤكد الكاتب هنا على أن ظهور السلفية ليس مؤشرا عن انقسام عقدي أو مذهبي بقدر ما هو تعبير عن مظاهر التحول الاجتماعي الذي تشهده أنماط التدين في هذا البلد.
 
وتحت عنوان السلفية الوطنية يشير الكاتب إلى الجانب الوطني للسلفية المغربية بقوله "وخلافا الحركة الوهابية، ولدت السلفية المغربية من رحم التصوف كما هو حال الحركة السنوسية وكان التصوف له دوره في مناهضة الاستعمار الغربي حين دفعت ظروف سياسية بعينها عاشها المغرب، إلى تفاعل السلفية مع الحركة الوطنية "وهنا تأكيد على الدور الوطني للسلفية المغربية من خلال ما ساقه الكاتب بقوله من ارتقاء سلفية المغرب من مجرد ضرورة التأكيد على العودة للأصول إلى سلفية مناهضة الاستعمار.

وينهي الكاتب هذا الفصل بما أسماه سلفية الغلاة بالمغرب، والتي أرجعها الى عقد التسعينيات عقب حرب الخليج الثانية عام 1991، وأعلن هذا التيار راية الجهاد بهدف التحرر من قبضة أمريكا، ويركز على قضيتي الحكم والتكفير، وارتبطت بتنظيمات الجهاد بمصر والجماعة المسلحة بالجزائر بحسب الكاتب، وبرز هذا التوجه بالمغرب في منتصف التسعينيات.

المشروع المصري

وفي الفصل السادس يتناول الكاتب المشروع السلفي المصري، والذي يرجع بداياته إلى سبعينيات القرن الماضي، حيث عملت هجرة العمالة المصرية إلى بلدان الخليج، على اكتساب بعض الاستعارات الثقافية الإسلامية ذات الطابع الوهابي، بحسب الكاتب، التي دعمت الاتجاه السلفي بالمعونات عبر شركات وجمعيات خليجية، مما أدى إلى ظهور قاعدة اقتصادية مستقلة لهذه التنظيمات.

ويسوق الكاتب إحصائية للسلفيين في مصر تقدر عددهم ما بين مليون ومليون ونصف ينتشرون على رقعة جغرافية واسعة وأكثر المناطق تواجدا لها، الإسكندرية والبحيرة ومطروح ودمياط والدقهلية وقنا وسيناء، ويمارسون تسويقا وترويجا بفكرهم يصل إلى حد التحشيد والتعبئة، ويشير الكاتب إلى أعلامهم مثل الشيخ محمد حسانو أبو إسحاق الحويني، جمال المراكبي وحسام أبو البخاري والشيخ محمد الزغبي ومصطفي بن العدوي وعبد المنعم الشحات بالإسكندرية وإبراهيم الجناحي بالدقهلية وإسماعيل المقدم وياسر برهامي وإبراهيم زكريا بالمنيا.

ويشير الكاتب هنا إلى ما جرى عقب اغتيال الرئيس السادات وانتشار السلفية في صعيد مصر خاصة المنيا وأسيوط، حيث لاقت النزعة السلفية انتشارا خارج القاهرة على عكس مدينة الإسكندرية التي تعد معقل السلفية، حيث شهدت انتشار الدعوة السلفية وهو ما يرجعه ياسر برهامي إلى وحدة المنهج السلفي بالمدينة.

ويتناول الكاتب مواقف السلفية المصرية من السياسة، بداية من الموقف من ثورة يناير فرغم رفضهم التجمعات في البداية وإصدار بيانات تدعو الشباب إلى العودة إلى منازلهم وشنوا حملة ضد من أسموهم "مجاهدي الكيبورد"، ووصفوا ما يحدث من مظاهرات ضد نظام مبارك بأنها خطة صهيونية، أما الدعوة السلفية بالإسكندرية فقد أعلنت عدم المشاركة واعتبرت ما يحدث تخريب.

ولكن بعد نجاح الثورة حاولوا تبرير عدم اشتراكهم فيها بعدم كشف طابعها الإسلامي للغرب، حتى لا يسهل ضربها، وعندما تم الاستفتاء على التعديلات الدستورية عقب نجاح الثورة، أصدرت الدعوة السلفية بيانا طالبت فيه الشعب المصري بالمشاركة في الاستفتاء.

وفي المقابل كان هناك بعض السلفيين الحركيين الذين حرصوا على التواجد في ميدان التحرير وشددوا على أن خروج المتظاهرين ليس مخالفا الدين.

وينهي الكاتب كتابه بالفصل السابع تحت عنوان "السلفية الجهادية" وفي هذا الفصل يؤكد على أن السلفية الجهادية، هي التحدي الذي يواجه الدولة والمجتمع في العالم العربي والإسلامي، بسبب مبادراتها التي تقوم على تكفير الحكومات المعاصرة، وتبني التغيير المسلح.

ويسوق هنا رؤية الكاتب سليم الهلالي الذي يرى أن هناك ثلاث مراتب لحركة التغيير الاسلامي في الأعمال الشرعية وهي الدعوة والاحتساب والجهاد، وهو ما انعكس على رؤية الحركات والجماعات المعاصرة وتمثلت الدعوة في جماعة التبليغ والدعوة وتتبني نهجا مسالما في التعامل مع الأنظمة.. أما مفهوم الاحتساب فتبنته جماعات وحركات إسلامية واعتبرته من أولوياتها ومن بينهم الإخوان الذين يتناولون منهجا إسلاميا متدرجا، أما الجهاد فقد شكل أحد أهم محاور الاستقطاب في الربع الأخير من القرن العشرين وتبنته جماعات كثيرة باعتباره سبيلا وحيدا للتغيير.

ويختم الكاتب بنظرة مستقبلية للسلفية من خلال أربع احتمالات: الاحتمال الأول وهو استعداد مختلف التيارات السلفية للمشاركة السياسية، الاحتمال الثاني استثمار سقوط الإخوان ومحاولة ملء هذا الفراغ والاحتمالات الثالث ويتمثل في تجذر الصراع العلماني ـ الإسلامي، والاحتمال الأخير هو انشطار التيارات السلفية ما بين النزعة البراغماتية والمحافظة وهو احتمال قائم إلى حد ما حسب الكاتب.


التعليقات (0)