سياسة عربية

"إسكات المعارضة بالمحاكمات".. ما دلالات إيقاف الغنوشي في تونس؟

تم إيقاف الغنوشي إثر عملية مداهمة لمنزله وتفتيشه دون السماح للمحامين من مقابلته والاطلاع على ملفه - جيتي
تم إيقاف الغنوشي إثر عملية مداهمة لمنزله وتفتيشه دون السماح للمحامين من مقابلته والاطلاع على ملفه - جيتي
تعهدت الفرقة المركزية الخامسة لمكافحة جرائم تكنولوجيا المعلومات والاتصال لمباشرة الأبحاث والاستقراءات وإنجاز التساخير الفنية اللازمة، إثر التصريحات التي أدلى بها رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي.

وقال الناطق باسم الحرس الوطني التونسي، إن تصريحات الغنوشي تندرج ضمن أفعال مجرمة متعلقة بالاعتداء، المقصود منه تبديل هيئة الدولة، أو حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح، وإثارة الهرج، والقتل والسلب.

وكان الغنوشي قد صرح في ندوة سياسية لجبهة "الخلاص الوطني" بأن تونس دون نهضة وإسلام سياسي، ودون يسار.. هو مشروع حرب أهلية".

ومساء الاثنين، تم إيقاف الغنوشي إثر عملية مداهمة لمنزله وتفتيشه، وتم اقتياده لثكنة العوينة، دون السماح للمحامين من مقابلته أو الاطلاع على ملفه، وبعد ذلك بساعات، تم إيقاف قيادات بارزة، وتفتيش مقر الحزب، وتحجير اجتماعاته واجتماعات جبهة "الخلاص" المعارضة.

واعتبرت حركة "النهضة" إيقاف الغنوشي عملية "تشف وتنكيل"، وطالبت بإطلاق سراحه فورا.

إلى ذلك، اعتبرت عدة شخصيات بارزة أن إيقاف الغنوشي خطوة تصعيدية خطيرة، ولها تداعيات على المشهد السياسي.

اظهار أخبار متعلقة



"هروب إلى الأمام"

وقال الدكتور والقيادي البارز بحركة النهضة منذر الونيسي، إن إيقاف الغنوشي هو "استمرار في سياسة استهداف السياسيين بالقوة والعنف وخارج القانون".

وأفاد الونيسي في تصريح خاص لـ"عربي 21" بأن "السلطة ومن خلال الإيقافات تعتمد على سياسة الهروب إلى الأمام، والتغطية على فشل الحكومة وأزمة البلاد".

واعتبر الونيسي أن إيقاف الغنوشي هي خطوة "تشف"؛ لأنه تم التحقيق معه عديد المرات، ولم يتخلف عن أي تحقيق، ولكن هذه المرة يتم مداهمة منزله في شهر رمضان ومع آذان الإفطار"، مشددا على أن حركة النهضة ستواصل العمل السلمي الميداني.

بدوره، قال رئيس حزب "عمل وإنجاز"، عبد اللطيف المكي، إنه لا خيار أمام الرئيس قيس سعيد إلا إسكات المعارضة بالمحاكمات.

ورأى المكي في تصريح خاص لـ"عربي21" أن "اعتماد قانون الطوارئ لمنع التجمعات يؤكد أن السلطة في حالة انسداد، وتحاول التغطية على أزمات البلاد".

والثلاثاء، صدر قرار وفق وثيقة مسربة عن وزير الداخلية يحجر جميع اجتماعات حركة النهضة وجبهة "الخلاص".

اظهار أخبار متعلقة



ما التداعيات؟

وعن تداعيات إيقاف الغنوشي ومنع التجمعات السياسية للنهضة، اعتبر المكي أن ذلك سيخلق صعوبات على المعارضة، ولكن سيزيدها شرعية، خاصة عند الرأي العام، ويقدم لها أدلة بأن ما يحصل ليس إنقاذا للبلاد بقدر ما هو تكريس لحكم الفرد".

وأشار السياسي المكي إلى أن إيقاف الغنوشي سيخلق أضرارا للمعارضة، ولكن لن يمنعها من مواصلة التحرك.

هذا، وقال رئيس جبهة "الخلاص " الوطني أحمد نجيب الشابي، في تصريح خاص لـ"عربي 21"، إن "إيقاف أبرز شخصية سياسية في تونس ومنع التجمعات هو إعلان لانهيار الحريات بتونس ".

ومنذ شهر فبراير الماضي، تعرف تونس حملة إيقافات واسعة طالت شخصيات سياسية معارضة بارزة، وتم توجيه تهمة "التآمر على أمن الدولة" لها.

كما تم إيداع قيادات بارزة في حركة النهضة، من ذلك الوزير السابق نور الدين البحيري ورئيس الحكومة السابق علي العريض، على خلفية التحقيق معه في ملف التسفير "إلى بؤر التوتر"، وهو نفس الملف الذي تم التحقيق فيه مع الغنوشي، ولكن تم الإبقاء عليه بحالة سراح.

ومثل الغنوشي قرابة 9 مرات منذ أيلول/ سبتمبر الماضي أمام التحقيق في عدة ملفات، وتم تحجير السفر عليه وتجميد أمواله.

وفي قراءة خاصة لـ"عربي 21"، قال السياسي والوزير السابق فوزي عبد الرحمان، معلقا على إيقاف راشد الغنوشي، إن سلطة "الاستبداد مرت إلى مرحلة جديدة تحت عنوان الاعتباطية و العبث".

وأضاف عبد الرحمان: "راشد الغنوشي وقع سماعه في عديد المناسبات في الأشهر القليلة الماضية على خلفية قضايا هامة، ولم يقع إيقافه أو الاحتفاظ به، واليوم يقع إيقافه على خلفية تصريح صحفي".

اظهار أخبار متعلقة



منع النشاط وحل الأحزاب

ولفت وزير "التكوين المهني والتشغيل" السابق، إلى أن "المركب الأمني القضائي لسلطة الاستبداد والحكم الفردي القائمة تمنع حزبا سياسيا وتنظيما سياسيا من النشاط من غير أي إذن قضائي.. وهي وتحت شعار لا رجوع للوراء ترجع بنا جميعا إلى أسوأ ما في الوراء من اغتيال لحرية الصحافة والتنظيم والنشاط ".

ونبه محدثنا عبد الرحمان من أن "ردود الفعل المناصرة لهذا التمشي تعبر عن فقدان لأدنى مقومات الحرية، وعدم الاكتراث ببناء ديمقراطية سليمة لها المناعة لتصحيح نفسها بنفسها، وسبب كل هذا قصور معرفي حاد وجهل ومنظومة حكم لم تتغير.. بل غيرت واجهتها فقط".

من جهته، قال المحلل السياسي نور الدين الغيلوفي، إنه كان من المتوقع اعتقال الغنوشي من مدة بعيدة؛ لأنه برمزيته يبقى حجر عثرة في طريق المنقلب".

ورأى الغيلوفي في قراءة خاصة لـ"عربي 21" الاعتقال تأخّر لعدم وجود قرينة لإدانة الرجل، واعتقاله إنما هو مقدمة لحل الحزب وبقية الأحزاب".

وفسر المحلل الغيلوفي قائلا: "مثلما بدأ سعيد انقلابه بغلق البرلمان، بدأ معركته ضد الأحزاب بالنهضة، وقدّم لذلك باعتقال رئيس الحزب".

وأضاف: "الأمر فيه غير قليل من العبث قد لا نفهمه بالمنطق السياسي، بل باعتماد مدخل التحليل النفسي، فالفاشيون يحتاجون إلى أعداء كبار يتطاولون عليهم ليكونوا من طولهم، الغنوشي الزعيم المفكر، نعتقله ونعبث برمزيته لتهشيم صورة مرحلة كاملة".

كما رجح المحلل أن يكون هناك تنسيق مع النظام السوري، ومن ورائه إيران، لمساعدة المنقلب في أزمته الاقتصادية، ويكون الغنوشي هو كبش الفداء.
التعليقات (1)
ناصحو أمتهم
الأربعاء، 19-04-2023 02:11 م
أولا) اعتقال الغنوشي وإلغاء حزبه هو هدف من التقطوا سُعيّد من سلة مهملات الشأن العام في القطر وفوّزوه بالرئاسة بغباء كل الزمر السياسية المتهارشة في القطر ثم نضّجوا له شروط الانقلاب ثم رتّبوا تنفيذه (المحتل التاريخي وأعوانه في القطر وحكام دويلات العوائل العربية). وكانوا طيلة السنة ونصف من عمر الانقلاب يستحثونه لإنجاز هذا الهدف. لقد كانوا مستميتين في الوصول إليه لا لكونه وحزبه يمثّلون فعلا مشروعا للتغيير الحضاري الأصيل ولكن لرهاب مرضي يجمع بينهم من كل ما يشتم منه رائحة الخيار الحضاري العربي المسلم. وأكبر من يجسّد هذا الرهاب المرضي فيهم هو مكرون فرنسا و بن زايد شمال غرب عمان. ثانيا) مسكين هذا الغنوشي؛ لقد أوصل نفسه إلى هذا المصير البائس في آخر عمره بالقرارات المصيرية (الجبانة سياسيا والخائنة فكريا للمرجعية التي بفضلها كان اسما) التي فرضها على حزبه وحلفائه القلائل خلال سنوات 1432 - 1435 وبها ذبح الفرصة الثورية النادرة في القطر وأعاد للنظام المنهار عنفوانه واختزل الحركة/الحزب ومشروع التغيير الأصيل في القطر في شخصه حتى انفض عنه أهل حزبه عبر التذرّر/النزيف المستمر وأصبح من كانوا "يقدّسونه" لعقود من أشد أعدائه (أمثال عماد حمامي ومحمد هنتاتي وغيرهم كثير ولكن يترفعون على إسفاف هذين). لو لم يكن سٌعيّد والذين يشغِّلونه يعرفون جيدا حالة تحلّل الحزب وانفضاض جماهيره ما كانوا ليستأسدوا على الغنوشي ولا يرعون فيه شيخوخته ولا حتى مقدّسات المسلمين(لاحظوا جيدا ساعة اقتحام بيته ومقر حزبه باسم تنفيذ القانون: مغرب السابع والعشرين من رمضان؛ إنها لحظة تذكّر بلحظة القتل المجوسي لصدام حسين فجر العاشر من ذي الحجة/يوم النحر الأكبر من قبل أعوان الاحتلال الفارسي الأمريكي في العراق باسم كذبة تنفيذ حكم قضائي). لقد نُصح الغنوشي طويلا وكثيرا من قبل مخلصين من أقطار مختلفة لكنه أصر على أن لا يكونِ إلاّ عقلا إخوانيا في تعاطيه مع الشأن العام للقطر وتكرار إنتاج الهزائم. ثالثا) ليس أفشل وأتعس من الغنوشي وبقية الزمر السياسية المفلسة في القطر سوى سُعيّد الخمول الكسول الذي لا يملك من العلم والخبرة والتجربة والبرامج وأدوات الفعل سوى تفاصح أجوف متصنع يهذي به على أهل قطر كانوا و ما زالوا لعقود طويلة ضحايا سياسات التجهيل بلغتهم والتّكريه فيها. لذلك فهو زائل ولو بعد حين؛ لكن أزمة القطر ستتواصل لأنه لا يوجد بعد في نخبه الفكرية والسياسية من يجسر على التفكير في القطع مع الخيار الحضاري التبعي. لذلك مثلما فشل كل من خلفوا مخلوع انتفاضة محرم/ صفر 1432 في تحقيق إنجازات تنموية تذكر، سيفشل سعيد ومن سيخلفه طالما استمرت صياغة السياسات العمومية على قاعدة خيار التبعية في نظام التفكير والتعبير وفي الذوق ونمط الحياة وتأسيسا عليه التبعية في القرار السياسي ونمط الاقتصاد وهذا خيار كانت الانتفاضة تعبيرا على بلوغه سقف فشله. اللهم لا شماتة في أحد ولكنها الحقيقة الصريحة الضرورية لإحداث القطيعة الواعية لدى كل من يفكر في التغيير الحضاري الأصيل على امتداد وطننا العربي.