قضايا وآراء

العلويون أم النُصيريون.. قراءة في التسمية والنشأة

حسين عبد العزيز
يرى فريدمان أن تسمية الفرقة بالنُصيرية يرجع إلى مؤسسها أبو شُعيب، محمد بن نُصير العِبدي البِكري النُميري.. (الأناضول)
يرى فريدمان أن تسمية الفرقة بالنُصيرية يرجع إلى مؤسسها أبو شُعيب، محمد بن نُصير العِبدي البِكري النُميري.. (الأناضول)
بسبب الاضطهاد الديني والسياسي والاجتماعي، عملت الطوائف الدينية في العالم الإسلامي خلال العصور الوسطى على اعتماد سياسة التقية الدينية وبناء غيتو ديني يصعب اختراقه، الأمر الذي جعل الاطلاع على حقيقة عقائدهم مسألة مستمرة إلى يومنا هذا.

كما تكمن الصعوبة في فهم عقائد الأقليات الدينية، مثل العلوية، الإسماعيلية، الدرزية على سبيل المثال، في أن القسم الأكبر من مصادرها هي عبارة مخطوطات مستورة، وإذا ما وجدت بعد المصادر، فلم تكتب بطريقة مترابطة لمجمل نظام التعاليم، فضلا عن تاريخ النشأة والتسمية.

التسمية

بخلاف الشهرستاني الذي ذهب في كتابه "الملل والنحل" إلى أن تسمية العلوية بالنُصيرية لا ترتبط باسم شخص معين، بقدر ما جاءت تعبيرا عن حالة: جماعة ينصرون مذهبهم ويذودون عن أصحاب مقالتهم، أكد هاينس هالم أن تسمية العلوية بالنُصيرية مرتبط بشخص محمد بن نُصير، فلا فرق بين النُصيرية والنُميرية.

وإلى هذا الرأي الأخير، ذهب يارون فريدمان في كتابه "العلويون النُصيريون: الهوية والمعتقدات مدخل في تاريخ أقلية رائدة" ـ دار سطور للنشر والتوزيع ـ إلى أن العلوية سميت بالنُصيرية نسبة إلى مؤسسها أبو شُعيب، محمد بن نُصير العِبدي البِكري النُميري، المنحدر من قبائل بني نُمير العربية الشمالية التابعة لمجموعة قبائل عامر بن صعصعة (ابن بكر)، الذين سكنوا على طول ضفاف نهر الفرات، في حيث مال أمين غالب الطويل في كتابه "تاريخ العلويين" إلى موقف قريب من الشهرستاني، من حيث إن التسمية العلوية بالنُصيرية جاءت من قبل أعدائهم بداعي العداوة المذهبية،

بخلاف الشهرستاني الذي ذهب في كتابه "الملل والنحل" إلى أن تسمية العلوية بالنُصيرية لا ترتبط باسم شخص معين، بقدر ما جاءت تعبيرا عن حالة: جماعة ينصرون مذهبهم ويذودون عن أصحاب مقالتهم، أكد هاينس هالم أن تسمية العلوية بالنُصيرية مرتبط بشخص محمد بن نُصير، فلا فرق بين النُصيرية والنُميرية.
تنوع التفسيرات، دفع بموسى مخول في كتابه "العلويون: من الوجود في التاريخ إلى التاريخ" ـ دار بيسان 2017 ـ إلى اعتبار مسألة التسمية مسألة غامضة لا يمكن البت فيها، لأن التفسيرات لا تستند إلى الدليل التاريخي القاطع.

ويؤكد مخول أننا لا نجد أثرا لاسم النُصيرية في أوائل كتب الفرق والمقالات، في حين نجد حديثا وجيزا عن النُميرية في فرق الشيعة للنوبختي، وفي كتاب "المقالات والفرق" للقمي، وفي كتاب "مقالات الإسلاميين" للأشعري، وفي كتاب "الفرق بين الفرق" للبغدادي، ولم يصبح اسم النُصيرية شائعا إلا في القرن الحادي عشر.

النشأة

يرى فريدمان أن تسمية الفرقة بالنُصيرية يرجع إلى مؤسسها أبو شُعيب، محمد بن نُصير العِبدي البِكري النُميري، المنحدر من قبائل بني نُمير العربية الشمالية التابعة لمجموعة قبائل عامر بن صعصعة (ابن بكر)، الذين سكنوا على طول ضفاف نهر الفرات، وهم حلفاء رئيسيين لبني تغلب (الحمدانيين في القرن العاشر)، وبهذا يرفض فريدمان إرجاع أصل بن نُصير إلى الفرس، بناء على بعض المصادر، فهي محاولة لإقامة علاقة وهمية بين الرجل وإيران.

أما مخول، فلا يرى أن في النسب القبلي لمحمد بن نُصير النُميري ما يؤكد أنه عربي الأصل أو مولى.

وبغض النظر عن هذه المسألة، فإن المؤلفين وغيرهما، يجمعون على أن بن نُصير قد لاقى حظوة كبيرة لدى أئمة الشيعة الإثني عشرية، في حين تذكر مصادر تاريخية شيعية أخرى أن كان دجالا زنديقا، حيث تذكر هذه المصادر إنه لعن وطُرد مرتين، الأولى عندما زعم أنه رسول مرسل من الإمام الهادي، الذي نسب إليه الألوهية، وروج لمذهب التقمص وتناسخ الأرواح، والمرة الثانية، كانت عندما زعم أنه باب الإمام، أي رسوله المقرب، وأنه ممثل الإمام الغائب.

الاكتمال

في بدايات القرن العاشر، حدثت نقلة مهمة في الفرقة على الصعيد التكويني واللاهوتي مع الحسين بن حمدان الخُصيبي (ولد في مدينة جنبلاء بين الكوفة وواسط).

ويرى بعض الباحثين أن اسم الفرقة انتقل من النُميرية إلى النُصيرية مع الخُصيبي، صاحب كتاب "الهدايا الكبرى"، وقد اختلط على بعض المؤرخين، المذهب القرمطي والمذهب النُصيري ـ العلوي في كتاباتهم، بسبب الاختلاط بين حمدان قرمط وحمدان الخُصيبي.

انقسمت آراء المراجع الشيعية في تقييم الخصيبي، ففي حين يُذكر اسمه في الأدب الشيعي راويا من أهم رواة الحديث وناقلي الأخبار، اعتبر النجشي (ت 1058) أن الخصيبي ناقل غير موثوق، وقد شاركه في هذا الرأي ميرزا أحمد الآسترآبادي نهاية القرن السادس عشر حين وصف الخصيبي بالكاذب وصاحب مقال ملعون.

مع سيطرة البويهيين على بغداد، سمحت السلطة الجديدة للخصيبي بالعودة إلى العراق، وسرعان ما توطدت العلاقة بين السلطة البويهية والنصيرية عبر الخصيبي، وهو تقارب أرجعه فريدمان لأسباب دينية ـ اقتصادية.

بعد وفاة الخصيبي، تولى زمام الطائفة أبو الحسن محمد بن علي الجلي، ثم ميمون بن قاسم الطبراني بداية القرن الحادي عشر، الذي تصفه المصادر النُصيرية بالشاب الثقة، ويعتبر كتابه "مجموع الأعياد" من أهم المصادر النُصيرية بخصوص أعياد الفرقة ومناسباتها.

يرى بعض الباحثين أن اسم الفرقة انتقل من النُميرية إلى النُصيرية مع الخُصيبي، صاحب كتاب "الهدايا الكبرى"، وقد اختلط على بعض المؤرخين، المذهب القرمطي والمذهب النُصيري ـ العلوي في كتاباتهم، بسبب الاختلاط بين حمدان قرمط وحمدان الخُصيبي.
كان للطبراني مكانة كبيرة في الفرقة، وقد سميت السورة الثالثة من سورة النصُيرية ـ العلوية باسمه، وتعود مكانته بحسب مخول إلى كثرة مؤلفاته.

وبسبب الطبراني، تتوارث الطائفتان العلوية والإسماعيلية كتابا يحمل اسم "الهفت والأظلة"، لكن مخول يرى أن هذا الكتاب لا يمت بصلة مع التعاليم الإسماعيلية، لأن الميزات المهمة غير المتغيرة للعقيدة العلوية ناقصة، وتظهر فقط في إضافات ألحقت به.

بعد مرحلة الطبراني، دخلت الفرقة في مرحلة الانقسام والتشرذم بسبب كثرة الجدالات اللاهوتية وغياب قائد قوي، ومع سيطرة البيزنطيين على قلاع العلويين في سورية ولبنان في القرن الحادي عشر، فقدت الطائفة الدعم الذي كانت تتلقاه من العائلات المحلية.

في القرن الثاني عشر، ظهر زعيم نُصيري بارز اسمه المكزون السنجاري (من سنجار شمالي غرب العراق)، أنقذ الطائفة من أعدائها وقضى على مناوئيها.

تسلم المكزون إمارة سنجار بعد وفاة والده عام 1205، وفي عهده انطلقت أول موجة هجرة من سنجار نحو قلاع وحصون اللاذقية، بقيادة الفيلسوف الشيخ أحمد بن جابر بن أبي العريض (زعيم بني العريض).

في عام 1218 استنجد النصيريون في اللاذقية وبانياس به لمواجهة الحملة العدوانية التي قام به الكرد الأيوبيين والإسماعيليين ضد الطائفة.

وفعلا، ترأس المكزون حملة عسكرية مكونة من خمسين ألف مقاتل، فسيطر على حصون منطقة حماة (أبو قبيس) وطبرية (المرقب، عليقة).

بعد طرده للكرد والإسماعيليين من المنطقة، بقيت مهمة أخيرة للمكزون، فعمل على تنظيم مناظرة لاهوتية مع الطائفة الإسحاقية التي انشقت عن النُصيرية قبل نحو قرن ونصف، وفي ختام المناظرة، قام المكزون بذبحهم وحرق كتبهم.

استفاد المكزون في تلك المرحلة من الأوضاع السائدة في سورية: حالة الحرب الدائمة بين الأيوبيين والصليبيين، والخوف المتزايد من الإسماعيليين النزاريين، ومع ضعف هؤلاء الثلاثة، استغل المكزون لإقامة ما يشبه الحكم الذاتي للطائفة في سوريا.

اختلف الأمر في القرن الثالث عشر مع سيطرة المماليك على سورية وتصديهم للغزو المغولي في معركة عين جالوت عام 1260، ثم قيام بيبرس بوضع حد للتواجد الإسماعيلي ـ النزاري في سوريا.
التعليقات (0)