أفكَار

إسلاميو السودان وقصة الاستمرار في السلطة وانفصال الجنوب (3-3)

إسلاميو السودان حافظوا على السلطة لكنهم لم يحافظوا على وحدة البلاد

لم يأخذ موضوع تحالفات الإسلاميين السياسية حظّه من البحث والدراسة، وذلك لأسباب عديدة منها طول أمد العزلة السياسية التي عاشها الإسلاميون بسبب تحالفات النظم الحاكمة مع بعض القوى السياسية، واستثناء الإسلاميين من هذه التحالفات، بناء على قواسم أيديولوجية مشتركة بين الأنظمة ونلك التيارات.

لكن، مع ربيع الشعوب العربية، ومع تصدر الحركات الإسلامية للعمليات الإنتخابية في أكثر من قطر عربي، نسج الإسلاميون تحالفات مختلفة مع عدد من القوى السياسية داخل مربع الحكم، وترتب عن هذه التحالفات صياغة واقع سياسي موضوعي مختلف، ما جعل هذا الموضوع  يستدعي تأطيرا نظريا على قاعدة رصد تحليلي لواقع هذه التحالفات: دواعيها وأسسها وصيغها وتوافقاتها وتوتراتها وصيغ تدبير الخلاف داخلها، وأدوارها ووظائفها، وتجاربها وحصيلتها بما في ذلك نجاحاتها وإخفاقاتها.

يشارك في هذا الملف الأول من نوعه في وسائل الإعلام العربية نخبة من السياسيين والمفكرين والإعلاميين العرب، بتقارير وآراء  تقييمية لنهج الحركات الإسلامية على المستوى السياسي، ولأدائها في الحكم كما في المعارضة.

في الجزء الثالث والأخير يرصد التقرير الذي أعده الإعلامي السوداني خالد سعد خصيصا لـ "عربي21" عن تجربة إسلاميي السودان السياسية، مرحلة ما بعد الإنقسام بين الدكتور حسن الترابي والرئيس عمر البشير وانفصال جنوب السودان.

إسلاميو السودان وقصة الاستمرار في السلطة وانفصال الجنوب (3-3)

يبدو مفهوما أن تكون للحركة الإسلامية العديد من التحالفات ذات الطابع السياسي لتوسيع قاعدتها أو للمنافسة الانتخابية خصوصا وسط قطاعات شعبية كالطرق الصوفية وزعماء القبائل والعشائر والتيارات الإسلامية المختلفة، لكن ما بدا مفاجئا في عهد الرئيس عمر البشير الحالي، سعي الحركة الإسلامية لعقد تحالفات مع أعدائها كما جرى الحال بين حزب المؤتمر الشعبي والحركة الشعبية بزعامة جون قرنق في مذكرة تفاهم شهيرة في لندن عام 2001م، وقام الطرف الثاني الحاكم من الإسلاميين بقيادة الرئيس البشير ونائبه الأول السابق علي عثمان بالتوصل إلى اتفاق سلام برعاية إقليمية ودولية مع الحركة الشعبية بقيادة قرنق ما أفضى لاقتسام السلطة ـ الثروة وإتاحة الفرصة لقوى المعارضة الأخرى بالمشاركة عبر ممثلين في البرلمان واستئناف النشاط التعددي وفق دستور عام 2005 بعد انقطاع دام سنوات.

مغامرات أدت إلى الانفصال

غير أن هذه الخطوة التي اعتبرت مغامرة سياسية انتهت بانفصال جنوب السودان عام 2011، ويقول خصوم الإسلاميين إن انفصال الجنوب كان يتماشى مع أجندة الإسلاميين للانفراد بالسيطرة على حكم البلاد.

لكن هذا الوضع لم يوقف الحركة الإسلامية من إنشاء التحالفات، فقد صعد إلى السلطة مشاركون جدد مثل حزب محمد عثمان الميرغني (الاتحادي الديمقراطي) وانضم للحكومة نجل الصادق المهدي اللواء عبد الرحمن الصادق المهدي وصار مساعدا لرئيس الجمهورية، كما توسعت التحالفات وشملت بعض الحركات المسلحة في إقليم دارفور عبر اتفاقيات أبوجا للسلام 2006م واتفاقية الدوحة للسلام عام 2011، ومع جبهة الشرق عام 2006م، وجميع هذه الإتفاقيات توصلت لتحالف في السلطة.

كان وقتها مجموعة الإسلاميين الأخرى تحت قيادة الترابي تعقد تحالفاتها مع المعارضة، إذ انخرط الترابي في تحالف ضم إلى جانب تنظيم الحزب الشيوعي وأحزاب اليسار الأخرى وحزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي فيما سمي بتحالف (قوى الإجماع الوطني) وتطور لاحقا إلى (تحالف جوبا) مع الحركة الشعبية قبيل انتخابات أجريت عام 2010 وفاز بها الرئيس عمر البشير.

يعتبر عام 2015 نقطة تحول في تحالفات الإسلاميين المعارضين والحاكمين، حيث دعا الرئيس البشير إلى مؤتمر موسع للحوار الوطني انضم إليه عدد كبير من المعارضين بمن فيهم الإسلاميون بقيادة الدكتور الترابي، تاركا خلفه تحالف الإجماع الوطني بعد أن فشلت جميع خططهم لإسقاط النظام، فضلا عن مخاوف الترابي وقتها من انقلاب اليسار على حزبه كما حصل مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر بقيادة محمد مرسي بعد وصولها إلى السلطة.

ووصف مؤتمر الحوار بأنه تحالف جديد للإسلاميين رغم الشكوك التي ما تزال تثار حول مصداقية توجهه نحو إنقاذ حكم الإسلاميين من الزوال أم من أجل غاية توسيع قاعدة الحكم، وطرح الترابي وحزبه مرة أخرى تصورا لتحالف عريض أطلق عليه الترابي قبل وفاته اسم (المنظومة الخالفة) وهي في رؤية كثير من المراقبين السياسيين تطويرا لفكرة تحالفات الإسلاميين التي تشكلت في أكثر من محطة سياسية منذ جبهة الميثاق الإسلامي في الستينيات، لكن التصور هذه المرة أكثر اتساعا يستوعب حتى اليساريين الخارجين عن أحزابهم.

سيناريوهات المستقبل:

الأمر الماثل بعد تجربة حكم امتدت لثلاثة عقود يوضح أن الحركة الإسلامية تراجعت كثيراً، حسب بابكر فيصل والصحافي عثمان ميرغني، إذ يرى الاثنان أن الاسلام السياسي حظى بفرصة الحكم لم ينلها أي تنظيم سياسي وكانت النتيجة هى فشل كل الشعارات التي كانت ترفعها وفي مقدمتها شعار "الإسلام هو الحل".

ويضيف بابكر فيصل: "من وجهة نظري أن مستقبل الحركة في غاية الإظلام مثل تحالف الاتحاد الاشتراكي السوداني في فترة الرئيس الراحل نميري الذي اندثر ولم يعد يذكره أحد في السودان اليوم".

لا يوافق على هذا السيناريو الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي ولا القيادي الإسلامي الدكتور إبراهيم الصديق، ويقول الأخير إن "المستقبل لابد أن يُقرأ في سياق تاريخ تشكل الحركة الإسلامية وتطورها في حاضنة الجماعات الإجتماعية من الطرق الصوفية والجمعيات الثقافية والمنابر الطلابية، وهي ما تزال الأقرب لوجدان القطاعات الحديثة، ما يؤهلها لدور رئيسي في المستقبل"، موضحا أن تحالفات الحركة الإسلامية تتخذ أهدافا متعددة وفقا لظرفية المرحلة، وهي متغيرة، وأن الحركة تميل إلى الانفتاح على الآخرين واستصحابهم وكسب كثير من القوى السياسية والاجتماعية تبعا لذلك.

غير أن هذا المستقبل يرتبط بمستقبل نظام الإسلاميين الحاكم حاليا وفقا للصحافي عثمان ميرغني وكلاهما آيل للسقوط والانهيار إلا إذا تحققت معجزة واستطاع الإسلاميون التقاط مظلة الرشد للوصول إلى (هبوط آمن).


إقرأ أيضا: إسلاميو السودان.. قصة النشأة والمعارضة والحكم (1من3)

إقرأ أيضا: إسلاميو السودان تحالفوا مع العسكر للوصول إلى السلطة (2من3)