اقتصاد عربي

رغم حظر مصر تصدير السكر والبصل والأرز .. لماذا ترتفع الأسعار؟

منذ بداية العام تعاني مصر من أزمات سلعية وتفاقم معدلات التضخم- عربي21
تحاصر أسعار السلع الغذائية المرتفعة، كالمتتالية الحسابية، المصريين، مما جعلها تتصدر قائمة أكثر عشرة دول تعاني من التضخم في أسعار المواد الغذائية، بحسب تقرير صادر عن البنك الدولي، بخصوص الأمن الغذائي.

ومنذ بداية العام الجاري، تعاني مصر من أزمات سلعية وتفاقم معدلات التضخم، بحسب مؤشر أسعار الغذاء (CPI) التابع للبنك الدولي، والذي أكد أن مصر أكثر دول العالم تأثرا بتضخم الغذاء من حزيران/ يونيو 2023 إلى أيلول/ سبتمبر 2023.

المفارقة أن الأزمات المتوالية، هي من نصيب سلع غذائية استراتيجية تنتجها مصر، وتحقق الاكتفاء الذاتي منها مثل الأرز والسكر والبصل، وليست سلع مستوردة من الخارج، ما أثار انتقادات واسعة وغضب كبير في الشارع المصري، تجاه التلاعب بالأسعار.



وفي محاولة لاحتواء لامتصاص غضب المواطنين، مددت الحكومة المصرية، قرار حظر تصدير السكر لثلاثة أشهر أخرى، بعد يوم من تمديد قرار حظر تصدير البصل لنهاية آذار/ مارس المقبل، الذي أصبح حديث الساعة وقفز سعره 500 في المئة، في أقل من عدة شهور.

ورغم استمرار العمل بقرار منع تصدير الأرز الأبيض إلى خارج ‏البلاد، وهي ثاني أهم سلعة استراتيجية، لتلبية احتياجات المواطن من الأرز والحفاظ على استقرار ‏أسعار الأرز بالأسواق، قفزت الأسعار في الأيام الأخيرة بشكل أدهش المصريين.

وقالت عدد من الصحف والمواقع المحلية، إن "أسعار الأرز الأبيض، قفزت بشكل غير مبرر خلال الأيام الأخيرة، ويتراوح سعر الكيلو السائب بين 32 إلى 34 جنيها، والمعبأ 35 و 37 جنيها (الدولار يعادل 30.9 جنيها)، فيما اختفى الأرز من الجمعيات الاستهلاكية بشكل كامل.

وتعتبر الدولة المصرية، من بين أكبر الدول المستهلكة للأرز في العالم، وتأتي في الترتيب الـ14 عالميا، ويصل حجم استهلاكها السنوي نحو 4 ملايين طن عام 2022 ورغم الاكتفاء الذاتي إلا أنها تعاني من ارتفاع الأسعار ما أعاد مصر لسوق استيراد الأرز، الذي يعاني حالياً من نقص الإمدادات.
‌ في آب/ أغسطس الماضي، أوقفت الحكومة المصرية صرف الأرز ضمن السلع التموينية المتاحة للمواطنين، وذلك بعد زيادة سعره لمستويات تفوق قيمة الدعم المخصص للمواطنين البالغ 50 جنيها (1 دولار بسعر السوق الموازي) لم يرتفع منذ عام 2017.

جهود الحكومة لوقف الأسعار تذهب أدراج الرياح
وفشلت كل إجراءات الحكومة المصرية في احتواء أسعار السلع المحلية من الأرز والسكر والبصل التي تنتجها محليا والتي كانت كالآتي:

أيلول/ سبتمبر 2022، حددت الحكومة المصرية سعر بيع الأرز السائب عند 12 جنيها والمعبأ 15 جنيها، والآن يتم تداوله عند 35 جنيها للكيلو بنسبة زيادة نحو 250 في المئة.

تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، الإعلان عن توافق بين الحكومة والصناع والتجار على مبادرة لخفض أسعار السلع الأساسية، تضمنت تخفيض أسعار 7 سلع أساسية بنسب تتراوح بين 15 في المئة و25 في المئة، لكنها جاءت بنتائج عكسية، اختفى بعدها السكر.

تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أمهلت الحكومة المصرية الأسواق مدة 10 أيام من أجل عودة استقرار أسعار السكر أو اللجوء إلى فرض أسعار جبرية، وإتاحة كيلو سكر واحد بسعر السوق الحر للبطاقة التموينية، دون جدوى.


مصر ما بين الإنتاج والاكتفاء وأزمة نقص السلع
تنتج مصر ما بين 4.2 إلى 4.5 مليون طن أرز أبيض بدون الشعير وتستهلك 3.6 مليون طن وتحقق الاكتفاء الذاتي، إلى جانب وجود نحو مليون طن في المخزون الاستراتيجي، ورغم ذلك قفز السعر من 19 جنيها إلى 35 جنيها.

تنتج مصر ما يقرب من 2.8 مليون طن سنويا، وتحقق الاكتفاء الذاتي من إنتاج السكر بنسبة تتراوح بين 85 و90 في المئة وتستهلك 3.2 مليون طن، ويبلغ العجز 400 ألف طن، يتم استيراده من الخارج لتغطية الاحتياجات المحلية، وقفز سعر كيلو السكر من مستوى 17 جنيها للكيلو إلى 50 جنيها.

مصر ضمن أكثر عشر دول منتجة ومصدرة للبصل، وتحتل المركز الرابع إلى الخامس، ولكنه ارتفع بشكل دراماتيكي من مستوى 8 جنيهات في بداية موسم الحصاد في آذار/ مارس الماضي إلى 25 جنيها قبل أن يرتفع بشكل جنوني وتخطى سعر الكيلو الواحد 40 جنيها.

وكانت مصر توسعت في تصدير البصل، منذ مطلع العام الجاري، وارتفعت الصادرات في الأشهر الأولى من العام الجاري بنسبة 130 في المئة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، قبل أن تصدر الحكومة قرارًا بحظر تصدير البصل بجميع أنواعه لثلاثة أشهر، ثم مددت الحظر لمدة مماثلة.


أرجع نقيب الفلاحين المصريين، الحاج حسين أبو صدام، الارتفاع الكبير في أسعار السلع المحلية إلى "عوامل عامة تتمثل في أن غالبية المستلزمات الزراعية من آلات ومعدات وتقاوي ومبيدات مستوردة من الخارج، وبالتالي تؤثر في تكلفة المحاصيل، بسبب تدني قيمة العملة المحلية، إلى جانب ارتفاع أسعار بعض السلع عالميا واتجاه البعض إلى المنتجات المحلية".

وأوضح أبو صدام، في حديثه لـ"عربي21" أنه: "رغم قرار حظر تصدير السكر، إلا أن هناك تصدير غير مباشر من خلال تصدير منتجات صناعية تحتوي على كميات عالية من السكر، مثل العصائر والمربى وغيرها، ولكن كل هذا ليس مبرر للارتفاع الكبير في أسعار الأرز والسكر والبصل".

ورأى المتحدث نفسه، أن "الحل الأمثل لوقف الأزمات المتكررة، هو تغيير المجموعة الاقتصادية في الحكومة لأنها غير قادرة على احتواء الأزمات أو حلها، والكثير من قرارتها تأتي متأخرة، على سبيل مثال تمديد حظر البصل لا طائل من ورائه لأنه لا يوجد بصل أصلا في البلد، وكان من الأولى إصدار القرارات في أوقات مناسبة، والمسؤول الثاني هم كبار التجار الذين يحتكرون السلع".



التجار والدولار
حَمّل أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة، جمال صيام، "الحكومة والتجار، مسؤولية اضطراب أسعار السلع الغذائية في السوق، واختفاء بعض السلع الأخرى نتيجة سوء الإدارة وضعف الرقابة من جهة، واحتكار وجشع بعض التجار الكبار من جهة أخرى".

واعتبر في حديثه لـ"عربي21": أن "مربط الفرس في الأزمات المتتالية، هو رهن التجار أرباحهم بسعر صرف الدولار رغم أن المنتجات مثل السكر والبصل الأرز محلي ونحقق الاكتفاء الذاتي لكن تراجع الجنيه أمام الدولار جعل الرهان على ضعفه هو الرهان الناجح".

ورأى صيام أن "فشل المبادرات أو القرارات التي تتخذها الحكومة مرده هو عدم وجود تحركات صحيحة من جانب الحكومة بتوفير السلع في مجمعاتها الاستهلاكية أو إصدار قرارات الحظر (التصدير) في الأوقات المناسبة، خاصة أن الدولة هي من تحتكر إنتاج السكر وهي المسؤولة عن توزيعه، كما أن قرارات حظر التصدير لا تمنع تمرير المنتجات للخارج بشكل غير قانوني".