ملفات وتقارير

هبوط مصري وصعود خليجي فنيا.. هل خسرت القاهرة قوتها الناعمة في 2023؟

العام 2023، شهد سقوطا فنيا مصريا وصعودا خليجيا - جيتي
ينتهي العام 2023 بكل ما فيه من أحداث فنية محلية وعربية ودولية أثرت على حياة المصريين وتفاعلوا معها، ما يستدعي معه النظر إلى الحصاد الفني في مصر خلال العام المنصرم.

يرى متحدثون لـ"عربي21"، أن العام 2023، شهد تراجعا فنيا مصريا وصعودا خليجيا، بعدما حذر البعض من انتقال القوى الناعمة المصرية من القاهرة إلى الرياض، وتحول "هوليود العرب" إلى مدينة مهجورة من الممثلين والمخرجين والمطربين والموسيقيين والفنيين بالعمل في مواسم الرياض وجدة السعوديتين.

كما أن الفنانين ومع الحصول على أموال "هيئة الترفيه" السعودية السخية وجدوا في هذا الانتقال مكسبا ماليا كبيرا، وهروبا من سطوة الشركة "المتحدة للخدمات الإعلامية"، التابعة لجهات سيادية مصرية، بحسب المتحدثين.

وأشاروا إلى سيطرة "المتحدة" -كما يطلق عليها العاملون فيها- على الإنتاج الفني، والدرامي، والسينمائي، والغنائي، وحتى الإعلانات، وفرضها رقابة على الموضوعات والأعمال المقدمة، ومواصلتها احتكار المجال الفني عامة، وقيامها بالتبعية بتقليل أجور العاملين بالوسط الفني، تخفيضا للنفقات.


"الشاهد الأحدث"
ويعد "موسم الرياض 2023"، بنسخته الرابعة والذي بدأ في 28 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، الشاهد الأحدث على انتقال القوى الناعمة المصرية من القاهرة إلى الرياض، وتراجع الدور الفني لهوليود العرب مع تصاعد دور السعودية في صناعة الفن والغناء والمسرح والدراما والسينما.

بل وإنه من ألحان وتوزيع ووتريات المصريين عمرو مصطفى، ومحمود صبري، وأحمد حسن فكري، افتتح المطرب السعودي عبد المجيد عبد الله، موسم الرياض، بأغنية "غنِّي يا دنيا بتوقيت الرياض"، فيما أقيم حفل خاص بالأوركسترا المصرية في 28 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

"موسم الرياض 2023"، الممتدة فعالياته حتى ما بعد احتفالات رأس السنة الميلادية للعام الجديد 2024، ودون موعد محدد لنهايته، يشهد تقديم نحو 23 عرضا مسرحيا مصريا، لكبار الفنانين المصريين، وذلك بمقابل فقط 3 عروض سعودية وكويتية.

ونجح موسم الرياض في إعادة فنانين مصريين إلى المسرح بعد غياب 20 عاما منهم يسرا، وكريم عبدالعزيز، وبعد سنوات من الغياب عن المسرح مثل ليلى علوي، مع تقديم أمينة خليل لأول مرة على المسرح.

ومن المسرحيات المصرية: "ملك والشاطر" ليسرا وأحمد عز، و"الصندوق الأحمر" لليلى علوي، و"رمضان سكول ميوزيكال" لمحمد هنيدي، و"بيلو" لأحمد حلمي، و"كذا نوفل"، لأحمد السعدني، وحسين فهمي، و"السندباد" لكريم عبد العزيز، و"علي بابا" لمحمد سعد.

و"عروسة من جهة إلكترونية" لأحمد عيد، و"سناب شات" لأمينة خليل، و"قصة حياة أمي" لعمرو يوسف، و"مثلث برهومة" لأشرف عبد الباقي، و"التلفزيون" لحسن الرداد، و"صوابع زينب" لهالة صدقي، و"تطبق الشروط والأحكام"، لأكرم حسني وبيومي فؤاد، و"شحاتين أكاديمي" لأيتن عامر، و"زواج اصطناعي" لمحمد أنور ومي عزالدين.

وأعلن رئيس هيئة الترفيه السعودية تركي آل الشيخ، أنه يعمل على جمع 200 مليون دولار لإنتاج أفلام في المستقبل، وأنه سيمول إنتاج فيلم "ولاد رزق 3"، بطولة الفنان أحمد عز، بقيمة 3 ملايين دولار، والتصوير بمنطقة البوليفارد بالرياض.

لم يكتف الشيخ، بالاستعانة بالممثلين المصريين بل أعاد تقديم أعمال فنانين مصريين راحلين، حيث استقبل مسرح "أبوبكر سالم"، بالرياض 9 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، حفلا غنائيا لأعمال الموسيقار بليغ حمدي، لأنغام، وأصالة، ونانسي عجرم، وصابر الرباعي، وماجد المهندس، بمصاحبة فرقة مصرية بقيادة المايسترو وليد فايد.

كما أنه وفي 30 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، شهد مسرح أبوبكر سالم حفل "روائع السنباطي"، الموسيقار المصري الراحل رياض السنباطي، بمشاركة شيرين عبد الوهاب، ومي فاروق، وريهام عبد الحكيم، وإيمان عبد الغني، وأحمد سعد.

كما قدم موسم الرياض عددا من المطربين المصريين عبر "حفلات ليلة الدموع"، 17 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بمسرح أبوبكر سالم، بمشاركة المطربين المصريين حمادة هلال، أحمد سعد، وشيرين عبدالوهاب، وتامر عاشور، ورامي صبري، ورامي جمال، وذلك بجانب حفل غنائي للممثل محمد رمضان، 24 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.


"سقوط مدو"
وفي السياق، وفي جانب آخر، شهد العام 2023، سقوطا مدويا للفنانين المصريين في العدوان الجاري على قطاع غزة، والحرب الدموية التي ترتكبها الآلة العسكرية الإسرائيلية وعمليات الإبادة الجماعية لنحو 2.3 مليون فلسطيني، استشهد منهم أكثر من 20 ألف فلسطيني، مع أكثر من ضعف هذا العدد من الجرحى، منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

وبينما أعلن بعض الفنانين المصريين تأييدهم لقضية غزة ورفضهم لجرائم الاحتلال (عدد قليل) وبينهم الفنانون محمد سلام، وأحمد مكي، ومحمد رمضان، وريهام عبدالغفور، يقف البعض الآخر وبشكل كامل وبينهم أسماء كبيرة من الفنانين والفنانات، صامتا، رغم فداحة الوضع، ورغم أدوارهم السياسية السابقة في دعم رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي.

أكثر مواقف الفنانين الداعمين لغزة صنعه الفنان الشاب محمد سلام، حينما أعلن في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، رفضه المشاركة في مسرحية "زواج اصطناعي" التي تعرض ضمن فعاليات موسم الرياض الذي بدأ بالسعودية 28 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بالتزامن مع أعمال القتل الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.


لكن في المقابل انتقد بعض الممثلين موقف سلام، وبينهم الممثل بيومي فؤاد، الذي قام ومن فوق مسرح موسم الرياض بالعاصمة السعودية، بانتقاد زميله محمد سلام الذي رفض المشاركة بالعرض المسرحي بالمملكة حفاظا على مشاعر أهل فلسطين.

وطغى على موقف سلام وغيره من الداعمين لغزة، مشاركات الممثلين المصريين بموسم الرياض، والتي دفعت الغاضبين عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتسجيلهم ضمن "قائمة العار"، والتي جاء على رأس قائمتها بيومي فؤاد، ومحمد أنور، الذي حل محل سلام في عرض "زواج اصطناعي".

كما ضمت "قائمة العار" وفق متابعين: كريم عبدالعزيز، وأحمد حلمي، ومحمد هنيدي، ومحمد سعد، وأحمد عز، وأشرف عبدالباقي، وعمرو يوسف، وحسن الرداد، ومحمد حماقي، ويسرا، وأيضا، هاني شاكر، وهشام عباس، وحميد الشاعري، وإيهاب توفيق، وسيمون، لمشاركتهم بمهرجان "الفن الجميل" بأبوظبي.

موقف ثالث يشير لفقدان مصر لبعض قوتها الناعمة، جاء بإعلان الإعلامي عمرو أديب، حصوله على الجنسية السعودية في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وذلك بعد انتقاله بشكل دائم لبث برنامجه "ما يحدث في مصر"، بفضائية "إم بي سي مصر"، من الرياض بدلا من القاهرة، ليمثل إحدى نقاط الجدل بشأن هروب قوة مصر الناعمة منها، والانتقال لدول أخرى بينها السعودية.


"عسكرة قابلها نزوح وخسارة"
وفي قراءته للحصاد الفني في مصر لعام 2023، وإجابته على أسئلة "عربي21": "هل خسرت مصر الكثير من قوتها الناعمة، هذا العام؟، وأسباب تلك الظاهرة، وهل هي مستمرة أم مرحلية؟"، تحدث المنتج السينمائي المصري محمد يوسف.

وقال لـ"عربي21"، إن "منحنى الفن المصري في حركة دائمة بين الهبوط والصعود، متأثراً بالعوامل السياسية التي سادت في مصر منذ 23 تموز/ يوليو 1952، وحتى الآن".

وأضاف: "إلا أن عام 2023، شهد حركة نزوح كبيرة للفنانين المصريين من القاهرة إلى الرياض (تشبه حركة نزوح الفنانين إلى بيروت عقب حرب 1967) بحثا عن أموال هيئة الترفيه السعودية السخية، وبحثا عن تقدير تلك الهيئة لفنهم وشخصهم والذي افتقدوه في وطنهم".

ويعتقد يوسف، أن "السبب الرئيس في هذا النزوح هو عسكرة الفن المصري، من خلال احتكار الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية (ذات الخلفية العسكرية للقائمين على إدارتها) للإنتاج الفني التلفزيوني والسينمائي والغنائي".

ولفت إلى أن "تلك الشركة استغلت الفنانين المصريين أسوأ استغلال حين دفعت بهم في مجالات غير فنية تخدم أجندة تلك الشركة التي اختلطت بأجندة هيئة الشؤون المعنوية، التي تعمل على الدعاية للحاكم ونفاقه".

وألمح إلى أنه "ومن يرفض من هؤلاء الفنانين الاستجابة لأجندة تلك الشركة يكون مصيره الجلوس في البيت وحرمانه من الاشتراك في أي عمل فني، وذلك بخلاف فرض أجور مجحفة على هؤلاء الفنانين لا تتناسب مع قيمتهم الفنية الحقيقية".

وأكد المنتج المصري، أن "مصر خسرت كثيرا من قوتها الناعمة بسبب هذا النزوح، وفي اعتقادي أن هذا النزوح سيزداد ويستمر مع رغبة الرياض في تكوين شبكة من القوى الناعمة تخدم أهدافها السياسية، إلى جانب استمرار سياسة الدولة في عسكرة الفن المصري".


"هذه خسرت.. وتلك لم تكسب"
وقال الكاتب والباحث الإعلامي المصري خالد الأصور: "عن خسارة مصر لقوتها الناعمة، فحدث وكلك حرج"، موضحا لـ"عربي21"، أن "جزءا من خسارة هذه القوة الناعمة هو ترجمة أيضا لفقدانك القوة الخشنة (سد الخراب الإثيوبي نموذجا صارخا، والاعتداءات الصهيونية المتكررة على الحدود المصرية نموذج آخر )".

وأضاف: "أما عن انتقال القوة الناعمة من القاهرة للرياض، فهذا غير صحيح"، مبينا أن "الأمر الصحيح هو أن مصر خسرت، لكن السعودية لم تكسب شيئا في الحقيقة".

وواصل: "وما أشبه مهرجانات ومواسم الفن في الرياض بمهرجانات استقدام لاعبي الكرة الأجانب والتي لم تضف كثيرا للكرة السعودية، وأحدث مظاهر ذلك، الهزيمة الثلاثية للاتحاد السعودي بنجومه المليارية العالمية على يد الأهلي المصري".

وأكد الأصور، على أنه "ليس بـ(الرز) وحده يتحقق المجد والقوة الناعمة، سواء فنيا أو رياضيا".

وأشار إلى أن "احتكار الدولة (مصر) حاليا للفن جاء في أسوأ صوره، ففي العهد الناصري الشمولي (1954- 1970)، كان للدولة دور في توجيه الحركة الفنية، ولكنه لم يكن بهذا الاستبداد و(الغشومية)".

ولفت إلى أنها "أنتجت أفلاما جيدة حينها، وكانت على قدر كبير من الجودة الفنية بل والفكرية، مثل أفلام (شيء من الخوف)، و(الرجل الذي فقد ظله)، و(ميرامار) .. وغيرها".

ويرى الكاتب المصري، أنه "من المفارقات فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية أن أغلب أهل الفن في الحقبة الناصرية كانوا مع الموقف الرسمي حينها في مناهضة العدو الصهيوني، كما هم الآن أيضا، مع موقف الدولة المتراخي تجاه العدو الصهيوني".

وختم حديثه بالقول إن "الوسط الفني غالبا بلا مبادئ، فالهدف هو الشهرة والمال".


"كل تخاذل يقابله خسران"
وفي تعليقه، قال المخرج المصري علي أبوهميلة: "ربما هناك إشارات جيدة في 3 أو 4 مسلسلات مصرية عرضت في رمضان الماضي، ولكن طوال العام لم يعلق في ذهني فيلم معين أو عمل غنائي، وكل هذا يتوارى أمام خذلان أغلب الفنانين للجرائم الدموية الجارية في حق أهل فلسطين في غزة".

وفي حديثه لـ"عربي21"، وصف الموقف العام، بأنه "إلى حد كبير مخجل جدا على كل المستويات السياسي والإنساني وأنه مخجل أيضا على المستوى الفني"، لافتا إلى أن "مواقف الفنانين تنعكس عموما من مواقف القوى السياسية والاجتماعية".

وأضاف: "وأصبحت فكرة تعاطف الفنانين من عدمه متعلقة بجهل شخصي لأنه ليس هناك إطار عام والمواقف فردية إلى حد كبير، وهناك مواقف جيدة لمن لديه ثقافة وتربية، ورأيت مشاهد جيدة لبعض الفنانين رغم وجود وضع عام غير متحمس وغير متضامن على المستوى المصري والعربي والقومي فالعجز يطال الجميع".

ويرى أن "فكرة أن السعودية اختطفت القوى الناعمة المصرية، وأن مصر خسرتها؛ فهذا طبيعي وأنت تخسر مكانتك الإقليمية والسياسية والاقتصادية أن تخسر مكانتك الفنية، لأن الفن تعبير عن المجتمع، والمجتمع شبه مغلق وغير مدرك لأبعاد أمنه القومي والعربي ولا يأخذ مواقف مجتمعات منها أوروبية مما يحدث من جرائم بفلسطين".

ولكن المخرج المصري، ظل على شيء من تفاؤله مؤكدا أنه "رغم أنك تخسر لكن يبقى لمصر تاريخها، وهناك مشاهد تقول إن هناك تاريخا لهذه الدولة هذا التاريخ ومنه التراث الفني موجود في وجدان الشعب العربي، رغم أنه يُبدد في إطار ما يحدث بكل المستويات في مصر من انحدار".

وعن فكرة تراجع الدور الفني لمصر، يعتقد أبوهميلة، أنه "كلما زاد حجم دورك السياسي والثقافي والإنساني ازداد حجم دورك الفني"، ملمحا أن "كل الدول أصحاب التاريخ الحضاري مثل فلسطين واليمن وسوريا والعراق والجزائر قد ينمو دورها وتظل مؤثرة وقادرة على تقديم إنتاج جيد لما لها من نسيج حضاري".

وأضاف: "وهناك دول لديها إمكانيات مادية وليس لديها هذه الطاقة أو هذا المخزون الحضاري والإنساني، وتقلد بعض أعمال أمريكا وأوروبا ضمن مخطط كبير لتهجين المجتمعات العربية".

وفي نهاية حديثه، توقع أبوهميلة، "انتصار فلسطين، وأنه سينتج عنه صناعة دور فكري كبير يُنتج قوى ناعمة مختلفة قوية تنتج فنا وثقافة"، مشددا على أنه "كلما تخاذلنا عن دورنا بمحيطنا العربي والإقليمي والإسلامي فإننا نخسر".