اقتصاد عربي

"ثغرات" في موازنة السلطة الفلسطينية تثير الشكوك

الموازنة التي صادق عليها عباس لم تدرج فيها وزارات غزة للعام الثاني على التوالي- أرشيفية
أقرت السلطة الفلسطينية في 18 كانون الثاني/ يناير 2016، الموازنة العامة للعام الحالي، بتأخير مدته ثلاثة أشهر عن الموعد المحدد في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، وهي عادة دأبت عليها السلطة الفلسطينية منذ تأسيسها عام 1994، دون إبداء الأسباب، لكنه "مؤشر سلبي" من وجهة نظر كثير من المحللين.

وجاءت الموازنة الحالية بإجمالي نفقات جارية وتطويرية؛ قدرت بأربعة مليارات و251 مليون دولار، وتوقعات بالحصول على منح ومساعدات مالية خارجية بقيمة 750 مليون دولار، من ضمنها 245 مليون دولار للموازنة التطويرية الاستثمارية.

وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر بغزة، معين رجب، إن "إصدار السلطة الفلسطينية موازنتها السنوية للعام الحالي 2016، جاء في موعد متأخر من الناحية القانونية؛ لأن القانون يطلب إقرارها واعتمادها في الربع الأخير من العام السابق".

وأضاف لـ"عربي21" أن إقرار الموازنة في موعد متأخر "يؤثر سلبا على حجم الخدمات المقدمة، ومستوى الأداء الحكومي".

وتظهر دراسة أعدها الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة الفلسطينية، نشرت في شباط/ فبراير الماضي، أن إجمالي فاتورة رواتب الموظفين العموميين، البالغ عددهم قرابة 156 ألفا، تصل إلى مليار و965 مليون دولار، بما يعادل نصف إجمالي الموازنة العامة، وهذا رقم كبير نسبيا، بحسب مختصين تساءلوا: "هل هناك موظفون خارج التشكيلات الإدارية، ويتقاضون رواتب من خزينة السلطة، أم إن هناك رواتب مرتفعة جدا، أم كلا السببين معا، ما يتطلب إجراء تدقيق على جميع أسماء الموظفين المدنيين والعسكريين، والتأكد من وجودهم على رأس عملهم، وحقيقة الرواتب التي يتقاضونها؟".

تسريبات

وأشيعت في الساحة الفلسطينية في أوائل آذار/ مارس، تسريبات لم يتم التأكد منها، مفادها أن الدول المانحة، من دون كشف اسمها، طلبت إيضاحات حول كشوف موظفي السلطة الفلسطينية ودرجاتهم، عقب وصول معلومات إليها تفيد بوجود فروق في رواتبهم.

وقيل حينها إن هذا الطلب جاء عقب المظاهرات التي نظمها قرابة 45 ألفا من المعلمين الفلسطينيين بالضفة الغربية، في شهري شباط/ فبراير وآذار/ مارس الماضيين، احتجاجا على تدني رواتبهم المتراوحة بين 700 و800 دولار للمعلم الواحد شهريا.

وقال مسؤول فلسطيني في وزارة المالية الفلسطينية برام الله، رفض كشف هويته، إن "الموازنة العامة الجديدة لعام 2016 أظهرت عجزا إجماليا قدره 1382 مليون دولار، حيث بلغت النفقات 4251 مليون دولار، وصافي الإيرادات 2869 مليون دولار، بنسبة عجز 32.5 بالمئة من النفقات العامة".

وأضاف لـ"عربي21" أن "سبب هذا العجز؛ يتمثل في عدم ترشيد حجم النفقات المتزايدة، مقابل نمو غير كاف للإيرادات العامة"، لافتا إلى أن "26 بالمئة من الموازنة الجديدة تذهب إلى الأجهزة الأمنية من حيث النفقات والرواتب، و18 بالمئة إلى وزارة التعليم، و11 بالمئة إلى وزارة الصحة، و10 بالمئة فقط إلى وزارة الشؤون الاجتماعية".

وزارات غزة غير مدرجة

ولاحظ مراقبون أن مشروع الموازنة العامة لعام 2016 لم يدرج وزارات غزة للعام الثاني على التوالي، على الرغم من تشكيل الحكومة منذ حزيران/ يونيو 2014، ما يعني - بحسب المراقبين - بقاء المعاناة المالية لديها، المتمثلة في عدم قدرتها على الوفاء بالحد الأدنى من نفقاتها التشغيلية المعتادة، بالإضافة إلى تواصل معاناة موظفي غزة البالغ عددهم 43 ألفا، نتيجة عدم إقرار أوضاعهم الوظيفية في الموازنة، أو تخصيص مرتبات منتظمة، ما يعني بقاء أسرهم في حالة ضائقة مالية شديدة.

وتعقيبا على هذه المعطيات؛ أكد رئيس اللجنة المالية في المجلس التشريعي الفلسطيني، جمال نصار، عدم قانونية الموازنة الجديدة "لأنها لم تحصل على مصادقة المجلس التشريعي"، مستهجنا "استمرار رغبة السلطة الفلسطينية في تهميش البرلمان، ورفض عقده منذ حصول الانقسام في أواسط عام 2007، بالإضافة إلى إصرارها على عدم شمول غزة ببنودها المالية، وهذا ليس بسبب خطأ فني أو مالي".

وأضاف نصار لـ"عربي21": "هذا قرار سياسي من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لترسيخ الانقسام، وعدم اعتبار غزة جزءا من الوطن الفلسطيني".

أرقام

وحصلت "عربي21" من مصدر خاص، على أرقام رسمية صادرة عن الإدارة العامة للموازنة العامة في وزارة المالية، أظهرت ما يشبه "تشوها واضحا" في الموازنة الفلسطينية، بسبب تضخم النفقات في قطاعات على حساب أخرى، فالأمن والداخلية تبلغ نفقاتهما 7,571,960 مليون شيكل، ما يعادل مليوني دولار تقريبا، في حين أن الوزارات الثلاث الأكثر تماسا بالمواطنين، وهي التربية والتعليم والصحة والشؤون الاجتماعية؛ تبلغ حجم نفقاتها مجتمعة 6,356,917 مليون شيكل فقط، ما يعادل 1,68 مليون دولار تقريبا (الدولار يساوي 3,78 شيكل).

يذكر أن بند الرواتب والأجور يحوز حصة الأسد من الموازنة العامة، فيما تعاني النفقات التطويرية من شح كبير، حيث تبلغ نسبة الرواتب في قطاع الأمن والحكم 53 بالمئة من المبلغ المخصص في الميزانية، والنفقات التطويرية 2 بالمئة، ورواتب القطاعات الاجتماعية 50 بالمئة ونفقاتها التطويرية 1 بالمئة فقط، ورواتب القطاع الاقتصادي 63 بالمئة، ونفقاته التطويرية 12 بالمئة.

ملاحظات وثغرات

وأشار المستشار القانوني في "الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة"، أمان بكر التكرماني، إلى "ملاحظات على الموازنة الفلسطينية للعام الجديد، أهمها عدم ذكر الأهداف التي تنوي الحكومة الفلسطينية تحقيقها، وعدم التقيد بالمواعيد القانونية المقررة لإعلان الموازنة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، حيث لم تعط الحكومة المجتمع المدني حقه بمناقشة بنود الموازنة، والاطلاع عليها قبل إقرارها".

وأضاف لـ"عربي21": "لم تتضمن الموازنة الجديدة الجداول التفصيلية المطلوبة، لتوضيح الوضع المالي والنقدي للسلطة الفلسطينية، وحجم الديون والقروض عليها، وهناك غياب الحساب الختامي لموازنات الأعوام السابقة، ما يجعل عملية المساءلة عليها مشلولة كليا".

وبحسب مراقبين ومختصين؛ تبقى الخيارات المتاحة أمام السلطة الفلسطينية لتطبيق الموازنة الجديدة قاسية، في ظل محدودية الموارد المالية مقابل زيادة النفقات، كما أشارت أرقام الموازنة الواردة أعلاه، فإما أن تلجأ إلى تقليص النفقات بصورة تعسفية وغير مدروسة، أو إلى زيادة الإيرادات العامة بفرض رسوم أو ضرائب جديدة، أو الاضطرار إلى الاقتراض مجددا، في ظل وجود ديون عامة ومتأخرات متراكمة، ينوء بحملها المجتمع الفلسطيني، ليس للجيل الحاضر وحسب، وإنما للأجيال القادمة أيضا.