قضايا وآراء

عن انتهاجِ الهجاء والعقليّة المعاركيّة في الدّعوة إلى الله تعالى

محمد خير موسى
الرسول صلى الله عليه وسلم قدم النموذج في التعامل مع المخطئين بطريقة تحببهم في الدين.. (الأناضول)
الرسول صلى الله عليه وسلم قدم النموذج في التعامل مع المخطئين بطريقة تحببهم في الدين.. (الأناضول)
بينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم في مسجده المفروش بالحصى دخل أعرابيّ جاء إلى المدينة لزيارة أرحام له وقد أراد قضاء الحاجة فجلس وبالَ في زاويةٍ من المسجد؛ فثار الصّحابة الكرام ليقعوا فيه؛ فمنعهم سيّد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلّم، بل أمرهم أن يتركوه حتّى يتمّ بولَه قائلًا: "دعوهُ لا تُزرِموهُ"، وقال لهم: "إنّما بُعثتم ميسّرين ولم تبعثوا معسّرين".. وتعامل مع المسألة بغاية الرّفق والبساطة وقال لهم: أريقوا على بوله ذَنوبًا ـ أي دلوًا ـ من الماء، ثمّ أقبل على الأعرابيّ بحنوّ الأب وبيّن له أنّ هذه المساجد لا يصلح فيها شيءٌ من هذا، فما كان من الأعرابيّ وهو يقارن ثورة النّاس عليه وهجومهم ليقعوا به برقّة ورفق النبيّ صلى الله عليه وسلّم إلّا أن رفع يديه داعيًا: "اللهمّ ارحمني وارحم محمّدا ولا ترحم معنا أحدا".. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم له: "لقد حجّرتَ واسعًا".

لا يشكّ أحدٌ على الإطلاق في صدق غيرة الصّحب الكرام على الدّين وعلى المسجد النّبويّ لكنّ الغيرة الصّادقة والعاطفة الجيّاشة التي تدفع إلى هجومٍ غير متضبطٍ على المخطئ وتضخيم فعلِه تأتي بنتيجة عكسيّة تمامًا؛ فلكَ أن تتخيّل لو لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلّم في المسجد ووقع النّاس في هذا الأعرابيّ كيف ستكون النّتيجة.

ثمّ انظر إلى تعامل النبيّ صلى الله عليه وسلّم في استيعاب الموقف والتّعامل مع الخطأ في سياقه وتبسيط المشهد والرّقّة في النّصح والإقبال على المخطئ واحتوائه ببالغ الرّحمة.

هذا المشهد نستحضره ونحن نرى بين الفينة والأخرى معارك تثور في وسائل التّواصل الاجتماعيّ لا سيما "الفيسبوك" و"تويتر" حول أحداث ومواقف وأشخاص، وللأسف أنّ المشهد الغالب على هذه الخلافات هو الجلافة في التّعبير، والعقل المعاركيّ، والهجوم الكلاميّ، وإطلاق الأحكام الاستعلائيّة وكلّ هذا يأتي ـ مع بالغ الأسف ـ في أوعيةٍ كلامية مليئة بالجلافة اللفظيّة وغياب الذّوق وتنحّي الأخلاق التّعامليّة واستعراض العضلات الاستهزائيّة بالآخرين وطغيان الشّتائم والبذاءة وتوزيع التّوصيفات غير الأخلاقيّة وكلّ ذلك تحت عنوان الدّفاع عن الإسلام والذّود عن الشّريعة.

الحطيئة حين يتصدّر للدّعوة في وسائل التّواصل الاجتماعيّ

في بعض كتبه ذكر الشّيخ محمّد الغزالي عبارة "الحُطيئة حين يشتغل بالدّعوة إلى الله تعالى" وكم كان بارعًا في هذا الاستحضار؛ فالحطيئة هو الشّاعر الهجّاء، بل إنّه يختلف عن شعراء الهجاء العرب جميعًا في أنّه هجا زوجتَه بقصيدة قال فيها:

لها جسمُ برغوث وساقَا بعوضةٍ
ووجهٌ كوجهِ القرد بلْ هو أقبحُ

وتبرق عيناها إذا ما رأيتها
وتعبس في وجه الضّجيع وتكلحُ

كما أنّه هجا أمّه فأقذع في هجائها فكان ممّا قاله فيها:

تَنَحِّي فَاجْلِسِي عَنِّي بَعِيدًا
أَرَاحَ اللَّهُ مِنْك الْعَالَمِينَا

حَيَاتُك ـ مَا عَلِمْت ـ حَيَاةَ سُوءٍ
وَمَوْتُك قَدْ يُسِرُّ الصَّاحِبِينَا

وعندما لم يبقَ أحدٌ لم يهجه هجا نفسَه؛ فنظرَ يومًا في المرآة فقال:

أَبَت شَفَتايَ اليَومَ إِلّا تَكَلُّمًا
بِشَرٍّ فَما أَدري لِمَن أَنا قائِلُه

أَرى لِيَ وَجهاً شَوَّهَ اللَهُ خَلقَهُ
فَقُبِّحَ مِن وَجهٍ وَقُبِّحَ حامِلُه

وإنّ أشدّ ما نلحظه في معارك وسائل التّواصل الاجتماعيّ اليوم حول مسائل وقضايا شرعيّة أنّ الكثير من المتعاركين يحملون نفسيّة الحُطيئة الهجائيّة وهم يمارسون ما يظنّونه دفاعًا عن الإسلام في الرّدّ على مخالفيهم ودحض أقوالهم.

يقول الشّيخ محمّد الغزالي في كتابه: "مشكلات في طريق الحياة الإسلاميّة": "وقد كتبت يوما عن الحطيئة عندما يشتغل بالدعوة؛ وتساءلت: ماذا تنتظر من رجل طبيعتُه شرسة إلا الوعظ بقوارص الكَلِم وسيّئ العبارات؟

إن طبائع بعض الناس تحوّل الدّين عن وجهته إلى وجهتها هـي، فبدل أن تهدي تصد! وبدل أن تسدي تسلب!" ثمّ يقول: "وقد تتستّر العلّة النفسيّة وراء الحماسة للقيم والغيرة على الحقّ، وأوضح مثل لذلك الرّجل الذي علّق على تقسيم رسول الله صلى الله عليه وسلم للغنائم، فقال: هـذه قسمةٌ ما أُريدَ بها وجه الله".

أصحاب العقليّة المعاركيّة الذين يمارسون الجلافة بحجّة الدّعوة؛ يستنزفون أنفسهم ويهدرون طاقاتهم وطاقات من يتخذونهم خصومًا، وتراهم دائمًا منتشين بظنّهم أنّهم يحاربون لأجل الحقّ ودفاعًا عن الإسلام، ولكنّ نظرةً يسيرةً تجعلك ترى بعد انجلاء غبار أيّة معركةٍ من معاركهم أنّهم تركوا الميدان قاعًا صفصفًا، فلا هم بنَوا فيه، بل إنّهم خرّبوا من حيث ظنّوا أنّهم يُصلحون، وهدموا وهم يحسبون أنّهم يبنون.
التعليقات (1)
أبو فهمي
الخميس، 03-08-2023 06:45 ص
مشكلة """"""" غثاء السيل """""" أن كل واحد فيهم """""" أفهم من عليها """""" ولا أحد غيره. السبب بسيط برأي المتواضع فهو """""" انعدام الأخلاق والتربية """""" وبالتالي """"" الاحترام """"" الذي أصبح مفقودا فوصل غثاء السيل الى ما هم فيه وخاصة أن كل واحد منهم يتبع ما يقوله """""" شيخه """"" على أنه الصحيح والباقي على خطأ أو أن الذي قرأه في أحد الكتب هو الصحيح والباقي خطا وهلم جرررررررررررررررررا.

خبر عاجل