مقالات مختارة

معاذ الكساسبة ضحية سياسة أوباما

1300x600
ليس الشهيد معاذ الكساسبة الذي أحرقه مجرمو "داعش" بالنار، وحده ضحية هذه الحالة المتخلّفة، فقد سبقه مئات، بل آلاف الشهداء في سوريا ممن جرى إحراقهم على أيدي مجرمي نظام بشار الأسد من دون أن يرفّ للعالم جفن. هل كان على العالم أن ينتظر إحراق هذا الطيار العربي الأردني المسلم الشاب لكي يدرك معنى أن "داعش" المجرم هذا وُلد من رحم "دواعش" أخرى أولها نظام بشار الأسد في سوريا، وحكم نوري المالكي ومن خلفه في العراق؟ هل كان عليهم أن ينتظروا إحراق معاذ الكساسبة لكي يفهموا أن السياسة الأمريكية التي قضت بفعل المستحيل لمنع سقوط نظام قتلة الأطفال، ومقتلعي الحناجر في سوريا، وهي السبب المباشر الذي أدى إلى نمو التطرف والغلو باسم الدين، وإلى تمدد "داعش" بسهولة مشبوهة؟ وهل كان عليهم أن ينتظروا جريمة إحراق معاذ الكساسبة لكي يفهموا أن "داعش" لم يولد من عدم، بل من رحم تطرف آخر سبقه إلى القتل والذبح في العراق على يد ميليشيات مذهبية، وإلى غزو تلك الميليشيات المذهبية لأرض سوريا نصرة للقتلة ضد الشعب السوري الثائر، وصولاً إلى غزو بيروت والتسلط على لبنان واللبنانيين، وأخيراً وليس آخراً اليمن؟

إن معاذ الكساسبة باستشهاده، يذكرنا جميعاً، كم كان كثيرون في الغرب محقين، وكذلك في العالم العربي، بأن حماية نظام بشار الأسد من السقوط أمام الثورة العارمة، وكذلك ترك المشروع الإيراني بوجوهه كافة يقتحم المشرق العربي، لن يجلبا الاستقرار، بل إنهما سيخلقان بدل الوحش الواحد الذي كان في الأصل وحوشاً، لينتهي الأمر بتقاتل الوحوش فيما بينها، وذهاب الشعوب العربية ضحية تخلّفين يتقاتلان على أرض العرب. هذا يمجد القتل بالحرق، وذاك يمجد الموت ويذمّ الحياة. إننا في اختصار، نعيش مرحلة تناحر الظلاميين من الجهتين، إحداهما أسوأ من الأخرى. الجهتان تمثلان أسوأ ما في الإنسان.

لقد ذكرنا معاذ الكساسبة بالطريقة التي قتل فيها بأن هذا المشرق مقبل على أيام سود. وذكرنا بأنه ما لم تتم مواجهة أصل الداء فلن تفلح أي حملة عسكرية، جوية كانت أم برية، في حصر نيران ظلامية كـ"داعش". ومواجهة الداء تبدأ بأن يدرك الرئيس الأمريكي باراك أوباما "حامي بشار الأسد"، أن ترك نظام قتل أكثر من ثلاثمئة ألف مواطن سوري قائماً، وعدم العمل الجدي على انهاء معاناة السوريين، وكذلك الشرائح العراقية المضطهدة، سيفاقمان الأمور.

إن أي بحث في سبل دحر "داعش" يستوجب من التحالف الدولي البحث في سبل إنهاء نظام القتلة في سوريا، ودحر الميليشيات التي تقاتل على أرضها، وتلك التي تضطهد ملايين العراقيين تحت عنوان "مكافحة الإرهاب"، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين.

لا فرق بين ظلامي مجرم آت من هنا، وظلامي مجرم آت من هناك. بهذا المعنى كلهم "داعش" بشكل أو بآخر.



(نقلاً عن صحيفة النهار اللبنانية)