مقالات مختارة

لماذا نلوم داعش؟

1300x600
هذا حدث فى مصر، باسم مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن الفكرى، وبعد إطلاق الدعوة إلى الثورة الدينية وتعالى الأصوات الداعية إلى التنوير. إذ شكلت إدارة الهرم التعليمية بمحافظة الجيزة لجنة من أربعة موظفين، لفحص محتويات مكتبة إحدى المدارس الخاصة (مدرسة فضل الحديثة). وبعدما قامت اللجنة بمهمتها وجدت أن بمكتبة المدرسة «بعض الكتب غير المطابقة للمواصفات، وليست مسجلة ضمن القائمة الوزارية. لذا أمر المدير التنفيذى باستبعادها وحذفها ووضعها فى صندوق وتشميعها». هكذا ذكر محضر الاستبعاد الصادر عن الإدارة التعليمية.

ولإنجاز المهمة على نحو أفضل، وإعمالا لشعار «الاستئصال والإبادة هما الحل» فإن المسؤولين عن الإدارة التعليمية فضلوا إحراق الكتب فى فناء المدرسة المذكورة، أمام تلميذاتها. ومن ثم جاءوا بها إلى الفناء، واصطف بالقرب منها بعض المسؤولين، بمديرية التعليم، ظهر منهم في الصور المتداولة أربعة من الأساتذة «المربين» وثلاث نساء محجبات، وتأكيدا لمشاعرهم الوطنية فإنهم لم يفتهم أن يحملوا أربعة أعلام مصرية بأيديهم، في حين ظهر في الخلفية نموذج كبير للعلم المصري. كما حرصوا على دعوة بعض الإعلاميين، وممثلي الفضائيات لتسجيل المشهد. وعلى مرأى من الجميع سكب الجاز على كومة الكتب، وأشعلت فيها النيران. وفى التعليق على ما جرى قالت إحدى «المربيات» -سيدة تتولى وكالة مديرية التعليم، قال موقع «البداية» إنها رشحت وزيرة للتعليم يوما ما- إن الكتب تروج لفكر جماعة الإخوان وتحرض على العنف ــ كما أن تداولها ممنوع لأن مؤلفيها إرهابيون يقيمون في قطر.

ما تم إحراقه 75 كتابا، من بين عناوينها ما يلى: الإسلام وأصول الحكم لعلى عبدالرازق ــ منهج الإصلاح الإسلامي للشيخ عبدالحليم محمود ــ جمال الدين الأفغاني للدكتور عثمان أمين ــ دستور أمة الإسلام للدكتور حسين مؤنس ــ مكانة القدس في الإسلام للشيخ عبدالحميد السايح ــ مكانة المرأة في الإسلام لمحمد عطية الإبراشي ــ أصول الحكم في الإسلام لمحمد فريد وجدي ــ من التبعية للأصالة لأنور الجندي ــ وسطية الإسلام للشيخ محمد محمد المدني. وهؤلاء جميعا من الأعلام والرموز الذين أثروا في العقل المصرى العربي، وجميعهم لا علاقة لهم بالإخوان. ثم إنهم من الذين رحلوا عنا وانتقلوا إلى الدار الآخرة. ولم يذهبوا إلى قطر.

هناك كتب أخرى شملها الحظر والحرق، بعضها صادر عن المجلس القومي للمخدرات، وأحدها عن بونابرت في مصر لمؤلفه كريستوفر هيرولد، وكتابان أحدهما عن البوسنة والهرسك، والثاني عن المسلمين في آسيا الصغرى. وثلاثة كتب لصحفيين، هم: عبدالعال الحمامصي (أقلام في موكب النور). رجب البنا (البحث عن المستقبل) ــ سمير رجب (للسياسة رجال) ــ هذا إلى جانب كتب أخرى بعضها عن الغزو الثقافي ودور المرأة وعالم الجن والشياطين، وافتراءات أعداء الإسلام والمشاهير، الذين أسلموا والأخلاق الإسلامية.. إلخ.

الخبر نشرته مع صورة حرق الكتب صحيفة «المصرى اليوم»، أمس 14/4، تحت العنوان التالي: وزارة التعليم تحرق كتبا في مدارس الإخوان. وتحته أوردت تصريح وكيلة مديرية التربية والتعليم السيدة بثينة كشك التي بررت به الإجراء وأضافت إلى ما سبقت الإشارة إليه قولها إن الكتب ممنوع تداولها في مصر (وهذا غير صحيح)، وأنه تم الحصول على الموافقة الأمنية على إحراقها. وذكرت أنه كان يمكن الاكتفاء بالتحفظ عليها وتشميعها بالشمع الأحمر، لكن قرار الحرق اتخذ «لحماية الأطفال من غسل المخ»، الذي كان يحدث في هذه المدارس (الإخوانية).

لفت نظري أن الجريدة نشرت الخبر وتبريره بغير تعليق، ودون إشارة إلى الكتب المهمة، التي ألفها علماء كبار ولقيت ذلك المصير البائس. إلا أن جريدة «التحرير» كان موقفها أفضل بكثير إذ ذكرت في العناوين أن: محرقة كتب ابن رشد تتكرر في مدرسة بالجيزة.. إشعال النار في مؤلفات شيخ الأزهر الأسبق وعلي عبدالرازق والسنهوري بدعوى حضها على العنف. وفي السطر الأول من الخبر وصفت الحدث بأنه «جريمة بشعة».

لا أخفي أنني لم أصدق الخبر حين طالعته أولاً في موقع «البديل». وكذبت عيني حين قرأت الوثائق المنشورة، ولم أجد مفرا من تصديقه حين وجدته منشورا ومدعما بالصور في صحف أمس. إذ صدمتني فكرة حرق الكتب من جانب نفر من المربين أمام طالبات المدرسة. واعتبرت التلويح بالعلم المصري في المشهد ابتذالاً وإهانة له. وخلصت إلى أن الحدث بمثابة وصمة عار في جبين المرحلة التي نعيشها. خصوصا أن وراءه مسؤولين في وزارة التربية والتعليم وموافقة أمنية مسبقة ومباركة من بعض المنابر الإعلامية.

لم أستطع أن أبرئ وزير التربية والتعليم من المسؤولية، وهو من سبق أن وافق بتحريض بعض الأكاديميين، والإعلاميين، على إدراج عقبة بن نافع وصلاح الدين الإيوبي في القوائم السوداء، وأقر حذف أجزاء من سيرتهما من مناهج التعليم، لأن الأول ارتكب جريمة فتح إفريقيا، والثاني كانت جريمته أنه قام بطرد الصليبيين من ديار الإسلام. كما كانت جريمة مؤلفي الكتب التي أحرقت أنهم حاولوا شرح الإسلام ودافعوا عنه. وهو ما يعني أن الاستقطاب والصراع دخل مرحلة العبث والجنون، الأمر الذي جعلني أتساءل: إلى أين نحن ذاهبون؟ ولماذا نلوم «داعش» إذا كنا نفكر بعقلها ونستخدم نفس أساليبها؟



(نقلا عن صحيفة بوابة الشرق)