أفكَار

ثورات الربيع العربي.. تجارب مختلفة ومصير متشابه.. لماذا؟

قراءة في مسار ومآلات الثورات العربية (الأناضول)

يعيش العالم العربي تحولات متسارعة، تسير به وبدوله إلى نتائج متقاربة، وإن كانت تبدو في الظاهر مختلفة في الشكل.

مع الربيع العربي، تصدر هدف الديمقراطية والكرامة والحرية اتجاهات ومزاج الرأي العام العربي، ولم يكن هناك أدنى شك في أن الديمقراطية هي المدخل الرئيس لوحدة الشعوب، وتعايش مكوناتها، وتنميتها السياسية والاقتصادية، حتى علا هذا الهدف على الأهداف التي صنعت أجيالا ونخبا فكرية طوال أربعة عقود من الزمن مضت، مثل هدف الاستقلال والوحدة والتنمية، بل حتى الشعارات التي رفعتها الحركات الإسلامية، التي تصدرت المشهد السياسي المعارض قبل الربيع العربي، تراجعت أو انكفأت بفعل تكتيكي من هذه الحركات التي كانت تقدر بأن الديمقراطية والحرية هي المدخل الأساسي لتحقيق مشروعها الرسالي.

ربيع الشعوب العربية، أفضى إلى خلق أربع حالات عربية: تجارب استثمرت في ترتيب الوضع الانتقالي للتحول نحو الديمقراطية، واستطاعت أن تتجاوز المحطات الرئيسة: (الوثيقة الدستورية ـ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ـ تشكيل النظم السياسية ـ تشكيل الحكومة) وبدأت تباشر السياسات العمومية (مصر، تونس، المغرب) قبل أن توئده تحولات غيرت مسارها. 

وتجارب أخرى، فشلت في تغيير النظم السياسية، بسبب دخول الفاعل الدولي والإقليمي، الذي عقد معادلة الصراع من أجل التمكين للديمقراطية (سوريا، اليمن). وتجارب أخرى، نجحت في إسقاط النظم، لكنها غرقت في الاقتتال الداخلي، ثم تعقدت معادلة الصراع فيها أكثر بدخول فاعلين إقليميين متعددين (ليبيا) وتجارب أخرى تأخر فيها الحراك الديمقراطي، فظهرت كما ولو كانت تمثل موجة جديدة من الربيع العربي (الجزائر، السودان).

تجارب مختلفة، ومصير واحد

 التوصيف السابق الذي اعتمد أساسا مبدأ التصنيف، بناء على دراسة تطور الحالة وتحولها، والمآل الذي انتهت إليه، يبدو في الظاهر دقيقا، لكنه في الجوهر، يقدم صورة مضللة، إذ يبين كما لو كانت هذه الحالات متباينة في المصير الذي انتهت إليه. فيظهر الجزائر ومصر والعراق كما لو كانت دولا تعيش حالة من الاستقرار السياسي، ويظهر سوريا واليمن وليبيا عاجزة عن استعادة الاستقرار السياسي، ويظهر تونس والسودان، كما لو كانتا تعرفان نفس الشروط من حيث عدم القدرة على إيجاد صيغة للتعايش بين مكونات الطيف السياسي داخل الوطن الواحد.

والحقيقة، أن الوضع العربي اليوم، يعيش حالتين فقط: حالة الملكيات، التي تعيش حالة من الاستقرار السياسي، وحالة الأنظمة الجمهورية، التي لم تستطع أغلبها- إلى اليوم- أن تؤسس الصيغة السياسية التي تضمن توحيد الطيف السياسي.

حالة الملكيات، لا تحتاج إلى تفصيل، فعلى الرغم من مواجهتها لتحديات الربيع العربي، وعلى الرغم من تباين شكل التعاطي معه داخلها، إلا أنها في المحصلة، حافظت على استمرارها، وعلى استمرار النسق السياسي نفسه، دون أن يتعرض الاستقرار السياسي لأي خطر جدي. 

في حالة الدول ذات الأنظمة الجمهورية، يمكن أن نميز بين ثلاث حالات:

حالة الدول التي تعرف هيمنة المؤسسة العسكرية، بحيث تتحكم في صياغة النسق السياسي، مثل مصر والجزائر، فهي تعيش وضعا أقل من حيث الاستقرار السياسي، مقارنة بما تعرفه الملكيات، وتعيش ـ في المقابل ـ وضعا أفضل من بقية حالات دول الأنظمة الجمهورية العربية.

وحالة الدول التي انهارت فيها الدولة، وتم فيها حل المؤسسة العسكرية والأمنية، مثل ليبيا والعراق، فهي تعيش على إيقاع تدافع الإرادات الدولية والإقليمية، وتعرف أدنى مستويات الاستقرار السياسي.

وحالة الدول التي احتفظت فيها المؤسسة العسكرية والأمنية (أو جزء كبير منها) على موقعها، وتعرف تدخل القوى الدولية والإقليمية، وشدة الاستقطاب الدولي والإقليمي لاجتذاب هذه المؤسسة (السودان واليمن وسوريا أيضا)، إذ تعرف هذه الحالة أعلى درجات التوتر السياسي (السودان) والعسكري (سوريا واليمن).

تبدو الحالة الأولى ضمن دول الأنظمة الجمهورية، أقل اضطرابا، لكن هذا التوصيف يخص المدى القريب، فحالة الاحتقان السياسي والمدني الذي تعرفه مصر، لا يضمن استمرار وضعية الاستقرار على المدى المتوسط أو البعيد، كما أن حالة الجزائر تعرف تضاعف تهديدات عدم الاستقرار أكثر، بعد أن دخلت دبلوماسيتها في توتر مع جوارها في الغرب (المغرب) ومع الجارة في الشمال (أوربا على خلفية ملف الغاز) وبشكل خاص فرنسا على خلفية ملف الذاكرة، فضلا عن تداعيات ارتفاع الأسعار، وندرة المواد الغذائية.

ليبيا، آخر تجارب الربيع العربي، التي تعثرت كثيرا خارطة ترتيب وضعها الانتقالي نحو الديمقراطية، ستعرف في شهر ديسمبر القادم آخر هذه الترتيبات، وذلك بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، التي ستفرز السلطات التنفيذية والتشريعية التي ستدبر المرحلة، بعد أن صاغت لجنة 5-5 التوافقات حول الملف الأمني والعسكري، لكن، صراع الإرادات الإقليمية، سيهدد بدون شك نتائج العملية الانتخابية، وسيدفع القوى المنهزمة ومن معها من القوى الإقليمية إلى الطعن في العملية السياسية، تماما كما هو الوضع في العراق اليوم. 

الحالة السورية، تعرف اليوم تغيرا في المواقف التكتيكية لجهة الإبقاء على نظام بشار الأسد، مع البحث عن إمكانية التفاوض معه، لمساعدته على التحلل من الهيمنة الإيرانية وفك الارتهان إلى مؤسساتها الأمنية والعسكرية وأجندتها الطائفية.

أما السودان، فعلى الرغم من كل الترتيبات التي وضعت لتدبير العلاقة بين المؤسسة العسكرية وبين المدنيين، إلا أن اقتراب موعد السلطة إلى المدنيين، أعاد الأزمة إلى نقطة الصفر، ودفع المؤسسة العسكرية إلى البحث عن حلفاء جدد لتسويغ مزيد من التحكم في السلطة.

في المحصلة، وفي الحالات الثلاث لدول الأنظمة الجمهورية، فإن حالة الاستقرار، تعرف تهديدا جديا متفاوتا، بسبب نقصان الشرعية (مصر والجزائر) أو بفعل هيمنة القوى الدولية والإقليمية، وعدم قدرتها على تحقيق توافقات تفضي إلى إدماج حقيقي للنخب وتحقيق التعايش السياسي بينها، والقبول بالنتائج السياسية المترتبة عن صندوق الاقتراع (مثال العراق وليبيا) أو بفعل عدم قدرة المؤسسة العسكرية والأمنية على استعادة الصيغة القديمة التي كانت تتحكم بها في النسق السياسي، دون أن تكون في مواجهة المدنيين (السودان)، أو بفعل عجز القوى الدولية والإقليمية والمحلية على حسم الصراع، وإرساء أسس الاستقرار السياسي والسلم المجتمعي (سوريا).

في تفسير التماثل والتمايز في الحالات العربية

تختلف البيئات السياسية من قطر عربي إلى آخر، كما تتباين التركيبات السوسيولوجية والطائفية، لكن هذا الاختلاف ليس هو المحدد الرئيس لتفسير تمايز الحالات العربية. فهذا الاختلاف يوجد مثله، أو ربما أعقد منه، في بعض الملكيات، لكن مع ذلك، هناك منسوب عال من الاستقرار السياسي فيها. 

المقاربة الأمريكية، وتسايرها في ذلك عدد من المقاربات العربية، تذهب إلى أن المشكلة تكمن في النفوذ الإقليمي الإيراني، واستخدام طهران لهذا النفوذ في تكتيكاتها التفاوضية إقليميا ودوليا. لكن رهان إيران على توسيع نفوذها الإقليمي لم يبدأ اللحظة، فعشية الثورة الإسلامية في إيران، بدأ التفكير عربيا في جدية التهديد الذي يمثله التمدد الإيراني في المنطقة، وبذلت المقاربات والاستراتيجيات الإقليمية لمواجهة هذا التمدد، وحافظت الدول العربية على استقرارها، وضمنت قدرا من التوازن في المنطقة، دون أن تكون بالضرورة خادمة بشكل ميكانيكي للسياسات الأمريكية.

دليل ذلك، أن العراق صدت تمدد الثورة الإيرانية، وحافظت على استقرارها، وأصبحت تمثل فيما بعد تهديدا للسياسة الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.

سوريا نفسها، التي كان لنظامها (حافظ الأسد) تقاطع مصالح مع إيران، لم تجعل كل بيضها في سلة طهران، بل بقيت جزءا لا يتجزأ من النظام العربي، ومع وقوفها ضد السياسة الأمريكية في المنطقة، إلا أنها شكلت محور التحالف ضد العراق، بعد أن أقدم على اجتياحه للكويت، وكانت سياساتها تنطلق من حسابات وحدة النظام العربي.

لذلك، من الصعب اليوم ركوب لغة التبسيط، ووضع المشجب كله على السياسة الإيرانية، فتمددها الإقليمي في المنطقة وجد أرضية لذلك، بررتها غياب القواعد التي كان يرتكز عليها النظام العربي، بل الأنساق السياسية المحلية، التي كانت تقاوم النفوذ الإيراني.

الاستقراء للحالات العربية، فضلا عن دراسة مقومات الاستقرار السياسي كما كان في كل دولة على حدة، يرشح ثلاثة عوامل أساسية أفضت إلى هشاشة الاستقرار السياسي:

أولها، غياب الصيغة السياسية التي تضمن المشروعية والتوحيد السياسي لمختلف الطيف السياسي.

ثانيها، دخول المؤسسة العسكرية إلى واجهة العملية السياسية.

ثالثها، فقدان التوازن الطائفي، وتقليص نفوذ السنة في بعض البيئات السياسية.

في المجمل العام، أضحت النظم الجمهورية اليوم، غير قادرة على إضفاء قدر واسع من المشروعية السياسية. في السابق، كانت هذه النظم ترتكز على ثلاث مشروعيات توحيدية: الحزب التحرري، المؤسسة الأمنية والعسكرية، التوازنات الطائفية والسياسية.

ارتكاز الحزب التحرري على إيديولوجية قومية، وسيطرته على المؤسسات السياسية والتمثيلية، واضطلاعه بصناعة المحتوى الإعلامي والتحكم في وسائل الإعلام، مكنه من خلق قاعدة شعبية عريضة ملتفة حوله، كما أن سيطرته على المؤسسة الأمنية والعسكرية، وقيامه على صيغة من التوازن الطائفي، وانبناء سياسته على القضايا الوطنية والقومية، ساعده على تقوية أسس الاستقرار. 

 

تكمن أزمة العالم العربي اليوم، في ضعف المشروعيات السياسية التي تضمن توحيد الطيف السياسي الداخلي، ودخول المؤسسة العسكرية والأمنية لواجهة العملية السياسية، وارتباك التوازنات السياسية والطائفية.

 



التحولات التي جرت، سواء على مستوى القطع مع أنظمة الحزب الواحد، أو على مستوى التعبيرات الإعلامية وصعوبة التحكم فيها، بسبب حرية الانترنت وانفلات منصات التواصل الاجتماعي، فضلا عن تشابك المصالح الإقليمية، جعل استمرار الصيغة السابقة شبه مستحيل، وكان المؤمل على أن تشكل الديمقراطية بديلا للصيغة التقليدية، لكن تعثرات الربيع العربي، لم تبق أي صيغة على الطاولة، يمكن لها أن تضمن المشروعية وتوحيد الطيف السياسي، فضلا عن تحقيق التوازن الطائفي.

الصيغة العراقية تقدم مثالا اختباريا واضحا، سواء في مرحلة المشروعية السياسية وتوحيد الطيف السياسي، أو في مرحلة فقدان هذه المشروعية وارتباط التوازن الطائفي.

في الحالة العراقية، تفككت الدولة، وتم حل المؤسسة العسكرية والأمنية، أي تم القضاء على البنية الإيديولوجية التي صنعت المؤسسة العسكرية، وجعلتها رهينة للحزب الواحد، وتم شيطنة حزب البعث وإيديولوجيته التحررية، وتم إرباك التوازن الطائفي، بالشكل الذي جعل السنة تقريبا خارج اللعبة السياسية، إذ استغلت إيران الفراغ (غياب الدولة ومؤسساتها) ودخلت الساحة بميلشياتها العسكرية والأمنية، وأنشأت ميليشيات شعبية موازية، واستثمرت في الطوائف الشيعية المختلفة، وضمنت بذلك التحكم بشكل كامل في العملية السياسية ومخرجاتها، وهي تطمح اليوم أن تقوم بالدور نفسه في اليمن، ولبنان، لولا أن المعادلات الإقليمية وأدوار بعض القوى الدولية والإقليمية، تعاكس مشروعها أو تبطئه.


في المثال الجزائري، الذي لا يزال يعيش الاستقرار السياسي في حده الأدنى، فقد الحزب التحرري مشروعيته، وأضحت المؤسسة العسكرية بديلا عنه، تتحكم في كل المؤسسات، وتعتاش على نفس النمط القديم في صناع المشروعية، ولذلك، هي اليوم تعاني من تحديات جدية، يمكن في أي لحظة أن تربك استقرارها السياسي.

تونس ستعيش في المراحل القادمة وضعا أسوأ، بسبب ضعف مؤسستها العسكرية الأمنية من جهة، وعدم امتلاك القيادة الحالية لأي مشروعية سياسية لا ديمقراطية ولا حزبية ولا تحررية، سوى ما كان من دعم إقليمي، يتسم بكثير من التردد والارتباك، كما تفقد تونس اليوم، الأساس المتين لأي استقرار سياسي، أي التوازن السياسي، فأغلب الطيف السياسي والمدني، التحق بلائحة المنتقدين لخيارات الرئيس، أو على الأقل، أصبح يتخوف من مآلات غموض الرؤية وعدم وجود خيارات واضحة للعودة إلى الوضع الدستوري الطبيعي.

في المحصلة، تكمن أزمة العالم العربي اليوم، في ضعف المشروعيات السياسية التي تضمن توحيد الطيف السياسي الداخلي، ودخول المؤسسة العسكرية والأمنية لواجهة العملية السياسية، وارتباك التوازنات السياسية والطائفية.

لا يمكن التنكر لدور القوى الدولية والإقليمية في صناعة التوترات في مختلف الأقطار العربية، لكن في الجوهر، هذه الأدوار لم يكن لها ما يبررها في السابق، وإنما وجدت أرضيتها في العوامل الثلاثة، لا سيما ما يتعلق بحاجة المؤسسة العسكرية والأمنية للدعم الإقليمي، وفقدانها هامش المناورة في توظيف صراع الإرادات الإقليمية من غير التمكين لها أو لبعضها.

في الاستثمار في الاستراتيجي:

بدءا نقرر بأنه من الصعب اليوم الاستثمار في الاستراتيجي دون إخراج البعد الإقليمي والدولي من المعادلة، أو على الأقل، التقليص من تأثيره إلى أبعد الحدود.

هذا الجواب ليس سهلا، بل ربما هو الخيار الأصعب، لكن، الطريق إليه، لا يسلك دون صيغة سياسية تعيد إنتاج المشروعية السياسية، وتضمن قدرا مهما من التوحيد السياسي، وتعيد المؤسسة العسكرية إلى مربع الحياد.

لا يهم في هذه المرحلة، أن تكون مثل هذه المشروعية خادمة لهذا الطرف أو ذاك، إن تم وضع ضمانات أساسية، تجعل المؤسسة العسكرية والأمنية في مربع الحياد، وتضمن قدرا كبيرا من التوازن المؤسساتي والسياسي.

الأردن التي تحرص على تأمين جدار أمنها القومي، فهمت مبكرا بأن الاستقرار في سوريا لا يمكن أن يتحقق بدون استمرار النظام السوري، لكنها، تحاول اليوم الإقناع بضرورة الاستثمار في هذا الخيار، وإحاطته بالضمانات الكافية، لقص أجنحة النفوذ الإقليمي الإيراني في المنطقة، بما في ذلك طرح موضوع المؤسسة العسكرية والأمنية للتباحث.

في ليبيا، يستحيل أن تكون المشروعية بجانب أي قوة قريبة من الجيش أو المؤسسة الأمنية، والأنسب أن يتم بناء المشروعية السياسية بعيدا عن الأطراف التي تحكمها علاقات الاستقطاب الحاد، وقريبا من القوى الوسطى (قوى الاعتدال) رغم ضعفها، لأن أهمية المشروعية تستند في كثير من الأحيان على القدرة على إدارة التوازن السياسي، لا امتلاك القوة والقاعدة التي تدخل البلاد في صراع مع القوى المقابلة.

في المثال اليمني والعراقي واللبناني، تحتاج القوى الإقليمية، وبشكل خاص العربية، إلى الاستثمار في بناء التوازن الطائفي، فقد أثبتت الحالة العراقية أن إخراج السنة من العملية السياسية، هو الذي ساعد في الإخلال الطائفي والسياسي، وشجع على سياسات التهجير الطائفي بفضل وضع القوة العسكرية والأمنية في يد الطوائف الشيعية والقوى الإقليمية الداعمة لها.

الإسناد السني، يتخذ أشكالا مختلفة، سياسي ومالي في حالة لبنان، حتى لا تزيد بيروت في مسار الارتهان لطهران. وإسناد سياسي في العراق، حتى يستعيد المكون السني موقعه في النسق السياسي، ويقوم بدوره المركزي في التوازن السياسي في المنطقة، وإسناد اقتصادي وسياسي في اليمن، حتى تزول كل المبررات التي تستغل لتقوية نفوذ طائفة شيعية محدودة مذهبيا وجغرافيا، وتستمد قوتها من الفراغ السياسي ومن اضطراب سياسة القوى الإقليمية العربية ومن الدعم الإيراني.

لا شيء اليوم، يؤشر على أن إصلاح الوضع العربي ممكن، لكن، الاستثمار في هذه الأبعاد الاستراتيجية، يمكن أن يؤتي أكله في المدى القريب أو المتوسط. ودونه، مزيد من ارتباك الاستقرار السياسي، وسقوط أربع عواصم عربية في دائرة الهيمنة المطلقة للنفوذ الإيراني (دمشق، بغداد، صنعاء، بيروت) وفتح شهية إيران تجاه دول الخليج، وبشكل خاص، الدول التي يحظى فيها الشيعة بتمثيلية سكانية مهمة مثل البحرين والسعودية والكويت.