في ظل الوضعية الجديدة في المنطقة، أصبحت طهران وأدواتها هدفاً عسكرياً بعد أن ظلت أحد الأطراف التي تدير مهمة تركيع الأغلبية السنية في المنطقة، تارة باسم مكافحة تنظيم القاعدة وتارة باسم مواجهة تنظيم داعش
ترتكب السعودية خطأ فادحاً بإصرارها على التعاطي مع ما يجري في اليمن بأنه مواجهة مع إيران ومع غيرها من القوى الإقليمية المؤثرة كتركيا مثلاً، في الوقت الذي تتورط في دعم قوات متمردة في ليبيا، وتشجع العمليات العسكرية الروسية في إدلب، وتمول بقاء القوات الأمريكية شمال سوريا، بغية الضغط على تركيا
نهج كهذا يظهر معه الحوثيون أمام العالم كجهة مسؤولة ومنضبطة للغاية، وصاحبة هدف سياسي واضح؛ قياساً بمعسكر الشرعية الذي تحول إلى خنادق متقابلة في مواجهة عبثية لا أفق لها
كل هذه الاستحقاقات مرهونة أصلاً بعودة الرئيس التي تقتضي أن يجري قبلها؛ تموضع قوات الحماية الرئاسية في المقرات السيادية بالعاصمة السياسية المؤقتة عدن، ومن بينها قصر المعاشيق
من المؤكد أنه في حال عادت العلاقات بين الدوحة والرياض إلى سابق عهدها، فإن الحكومة الشرعية ستسارع إلى فتح خطوط تواصل مع قطر، لكن لا أتوقع أن تعود بالوتيرة ذاتها من الحماس. فقد جرت في النهر مياه كثيرة
في تقديري أن المنضوين في معسكر الشرعية وهم غالبية مؤثرة جداً على المستوى الميداني، لا ينبغي أن يفقدوا الأمل في إعادة توجيه دفة الصراع ليصبح مصدر تهديد للسعودية كما هو اليوم مصدر تهديد لحاضر اليمن ومستقبله.
لم تتحرر القوى الدولية المعنية بالأزمة والحرب في اليمن من قناعتها البائسة بشأن الحاجة إلى دعم ترتيبات تجريد السلطة الشرعية من حواملها الوطنية، والتأكد من أن أيا من هذه الحوامل موجود في السلطة الشرعية، بعد أن دأبت التقارير المتواترة للاستخبارات الإماراتية والسعودية على تسويد صحائف القيادات في الشرعية
ستقع الحكومة وفقاً لهذه الترتيبات الأمنية التي ترعاها السعودية؛ رهن إرادة قوات لا يمكن تفادي خطورتها فيما لو اندلعت مواجهات جديدة، أو جرى تفسير الاتفاق على نحو يدفع إلى مواجهات عسكرية شاملة..
لا أعتقد أن اتفاق الرياض يمثل مدخلاً مناسباً، فهذا الاتفاق الذي أجبرت الرياض طرفين تابعين بالكامل لإراداتها على توقيعه، لا يشمل جوهر الأزمة التي لا تزال تتمثل في بقاء العاصمة صنعاء رهن مليشيا مسلحة ومدعومة من أطراف إقليمية..
حضور ولي عهد أبو ظبي حفل توقيع اتفاق الرياض، يشير في أخطر دلالاته إلى أن الإمارات ربما تمضي في استثمار المساحة التي وفرتها لها السعودية ضمن نصوص الاتفاق لممارسة الوصاية على السلطة الشرعية عبر مراقبة تنفيذ الاتفاق، على نحو يسلب السلطة الشرعية حقها الأصيل في إدارة البلد
حرصت المملكة منذ أن استدعت طرفي الأزمة الجديدة في عدن إلى مدينة جدة لحوار غير مباشر؛ على إدماج هذا المسار الذي نتج عنه اتفاق الرياض ضمن عملية سلام بدأت تتجزأ إلى عدة مسارات وتعيد تفكيك المشهد اليمني، بما يسمح بالتملص من الاستحقاقات الأساسية المرتبطة بتمكين السلطة الشرعية ودحر المهددات التي تعترضها
تشهد الرياض هذه الأيام معركةً سياسيةً صامتةً بين السلطة الشرعية وممثلين عن المجلس الانتقالي؛ الذي يمثل أكثر الفصائل الجنوبية المطالبة بالانفصال نفوذا ودعماً من قبل الإمارات والسعودية
يندر أن تجد نظاماً سياسياً كالسلطة الشرعية اليمنية، التي تفرط بعلاقاتها الإقليمية والدولية، تحت إملاءات نظام كالنظام السعودي، الذي تحول من داعم لنفوذ السلطة الشرعية إلى متحكم بإرادتها وسالب لكرامتها الوطنية
المواجهات البرية التي خاضها الحوثيون قبالة الحد الجنوبي للمملكة أواخر آب/ أغسطس الماضي، وادعوا أنها في منطقة نجران، وأفضت إلى تلك الصور المؤلمة لمشاهد الآليات المدمرة ومئات الأسرى من مقاتلين يمنيين يعملون لحساب وزارة الدفاع السعودية، قد كرست صورة السعودية المتضعضعة
لكن كيف نفسر استمرار تحليق طيران التحالف وتعمده فتح حاجز الصوت فوق مواقع القوات الحكومية المرابطة في أبين سوى أنه يوجه رسائل تحذيرية واضحة لهذه القوات بأنه ليس بوسعها التحرك باتجاه عدن بأي حال من الأحوال..
مأساة اليمن بسبب هذا الانقلاب الذي نُفِّذَ بغطاء سعودي إماراتي أمريكي بريطاني فرنسي؛ كبيرة جداً، لكن تداعيات الحرب اليمنية تبدو أكثر خطورة وأشد إيلاماً بالنسبة لدولة مثل السعودية