قضايا وآراء

ستبقى الديمقراطية هي الحل

1300x600
من أخطر النتائج السلبية التى ترتبت على نجاح الثورة المضادة فى مصر، التى تُوِجت بالانقلاب العسكرى على الشرعية الدستورية لثورة يناير الشعبية المجيدة، تفشى الكفر بالديمقراطيّة كوسيلة صالحة لتحقيق أهداف الثورات الشعبية والتطلعات المجتمعية عبر مشاركة الشعب وما يمثله وينوب عنه من الفصائل والتيارات المختلفة فى البناء المجتمعى، دون اقصاء أو استبعاد، وكوسيلة تمكن عموم الشعب من الحكم عبر الاختيار السياسى والمفاضلة بين المتنافسين على خدمته وتحقيق أهدافه، وتمكنه أيضا من المحاسبة السياسية تجاه الحكام والمسئولين.

ولايقدح من ذلك القول باستمرار مقاومة الشعب المصرى الرافض للانقلاب العسكرى حتى الان، رغم مرور مايزيد على العام على وقوع الانقلاب، تأسيسا على أن رفضه هو تأييد للديمقراطية وتمسك بها، فكثير من رافضى الانقلاب قد لاتعنيهم الديمقراطية فى شئ، وان توافر رفضهم للانقلاب واشتراكهم فى مقاومته فليس بالضرورة القول، أن هذا الرفض أو تلك المقاومة سببها التمسك بالديمقراطية وحدها، أو دفاعا عن الشرعية التى افرزتها مسارها، فهناك كثير من الاسباب السياسية والدينية والانسانية الكفيلة بتسبيب مواجهة الانقلاب.

وقد كانت الديمقراطية من أعظم الانجازات التى حققتها ثورة يناير، التى استمدت قوتها من عفويتها من ناحية، ومن شعبيتها وتعدديتها من ناحية أخرى، ورضا مكوناتها السياسية بتحقيق أهدافها عبر المسار الديمقراطى الذى لم يكن سواه مناسبا لمثل تلك الثورة التى كانت ولاتزال علامة فارقة فى تاريخ المصريين، اضافة الى أنها دفعت تيارات سياسية مخاصمة للديمقراطية الى التصالح معها والعمل فى مساراتها السياسية والقانونية، بعد أن تم تطويع مفهوم الديمقراطية ليكون مناسبا للمجتمع المصري.

والغريب أن الكفر بالديمقراطية اشترك فيه الفرقاء هذه المرة ، لاسيما من فئة الشباب الذين تُنسب اليهم ثورات الربيع العربى، فكثير من شباب التيار المدنى الاسلامى أعلن فى أكثر من موضع، خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعى، عن كفره الصريح بالديمقراطية وعدم صلاحيتها فى الوصول الى تمكين المشروع الاسلامى، لاسيما بعد أن فرض تنظيم الدولة الاسلامية فى العراق والشام أو "داعش " نفسه ووسيلته على الجميع.

وكذلك شباب التيار العلمانى ومشتقاته المختلفة، الذى وان لم يكفر كله بالديمقراطية صراحة، الا أنه يتنكر لها ضمنا، بمايفيد الكفر بها، من خلال عدم الاعتراف بوسائلها واجراءاتها وكذلك نتائجها، واعتناق وسيلة الثورات المؤدلجة التى لاتعترف بالانتخاب فى قاموسها السياسى ولاترى وسيلة لتحقيق أهداف الثورة سوى بالوصول الى الحكم أولا، وكان ذلك الكفر الضمنى من بين الاسباب التى دفعت بعضهم الى المشاركة فى الاعمال التحضيرية للانقلاب العسكري.

ولاشك أن هذه النتيجة الخطيرة لن تصب فى النهاية الا فى صالح الثورات المضادة، التى لن تجد جوا مناسبا للتمكين والتمدد والاستقرار أفضل من هذا الذى يسيطر على سمائه الاستبداد البديل، لأن الكفر بالديمقراطية صراحة أوضمنا يقابله الايمان بالاستبداد صراحة أو ضمنا أيضا، فلابديل للديمقراطية سوى الاستبداد، ولن يكون أمام أبناء المشروع المدنى الاسلامى سوى النموذج "الداعشى" المعاصر فى الوصول الى تطبيق الشريعة !.

ولن يكون أمام أبناء التيار العلمانى ومشتقاته المختلفة سوى النموذج "الشيوعى، أو الكمالى، أو الناصرى "من خلال اعتماد طريقة الثورة المؤدلجة التى يسعى أصحابها الى تنفيذ مايريدون تحقيقه من أهداف بعد وصولهم الى السلطة ولو بوسيلة غير نبيلة!، رغم ما أثبتته التجربة الانسانية من فشل ذريع لهذه الطريقة التى تكون الثورة على الاستبداد ميلادا لاستبداد جديد من نوع آخر !، ولهذا ستبقى الديمقراطية هى الحل حتى اكتشاف وسيلة أخرى تحقق ماتحققه للجميع .